پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثالث و السبعون الطّلاق

 الدرس الثالث و السبعون
الطّلاق

الزواج ـ حسب نظر الإسلام ـ میثاق مقدس و غلیظ یتعهّد بموجبه الرجل و المرأة بأن یبقیا و فیّین له إلی نهایة العمر، و أن یجتهدا فی تقویة بنیانه و دعم اسسه.

ولکن قد یرخّص ـ مع ذلک ـ فی الإنفصال و الطلاق فی ظروف و حالاتٍ خاصّةٍ، وقد جعل أمر الطلاق بید الرجل.

علی أنّ الطلاق و إن کان أمراً مشروعاً و حلالاً إلّا أنّه فی نفس الوقت أمر مبغوض عند المشرّع الإسلامیّ المقدّس .. وقد وردت فی ذمّه أحادیث کثیرة نذکر بعضها علی سبیل المثال:

عن أبی عبدالله علیه السلام قال: إنّ الله عزّوجلّ یحبّ البیت الذی فیه العرس، و یبغض البیت الذی فیه الطلاق و ما من شیءٍ أبغض من الطّلاق.(1)

و عن أبی عبدالله علیه السلام قال: ما من شیء ممّا أحلّه الله أبغض إلیه من الطّلاق و انّ الله یبغض المطلاق الذوّاق.(2)
 

و عن أبی عبدالله علیه السلام قال: بلغ النبی صلّی الله علیه و آله أن أبا أیّوب یرید أن یطلّق إمرأته فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله: إنّ طلاق امّ أیّوب لحوب، أی إثم.(3)

و عن أبی جعفر علیه السلام قال قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: أوصَانی جبرئیلُ علیه السلام بالمرأةِ حتی ظننتُ أنه لا ینبغی طلاُقها إلّا مِن فاحِشة مُبیّنة.(4)

و عن الصادق علیه السلام قال: تَزوّجوا ولا تطلّقُوا فإن الطّلاق یَهتزّ منه العرشُ.(5)

و قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: ما أحبّ الله مباحاً کالنکاح و ما أبغض الله مباحاً کالطّلاق.(6)

یستفاد من هذه الأحادیث و نظائرها أنّ الطلاق رغم أنه عمل مشروع و حلال فانه فی نفس الوقت عمل مبغوض جدّاً إلی درجة أنه یهتز منه العرش الالهیّ.

وهنا یمکن أن تقولوا: إذا کان الطلاق مبغوضاً و مکروها عند الشارع الإسلامیّ المقدس، فلماذا لم یحرّمه، بل و أساساً کیف یمکن أن یقال إنّ هذا عمل مبغوض ولکنه مع ذلک حلال، فانه إذا کان مبغوضاً حقیقةً لاعلن عن رفضه و حرمته؟

یقال فی معرض الإجابة علی هذا الاشکال: انّه لا تنافی بین الحلیة و المبغوضیّة، فیمکن أن یکون عمل ما مبغوضاً تماماً، ولکنّ عمله یکون فی بعض الأوقات ضروریاً و لازماً، فمثلاً یعتبر قطع عضو من أعضاء البدن أمراً مبغوضاً ولکنه یکون فی بعض الأوقات ـ مثل حالة الابتلاء بالسرطان ـ ضرورة لا مناص منها ولا مخلص.

 

و الأمر فی مسألة الطلاق هکذا، فانّ الطلاق أمر مبغوض و مکروه عند الشارع الإسلامیّ المقدس، وهو یخالفه بشدّة و یندّد به، إلّا أنه یعدّه أفضل طریقة حلٍّ فی بعض الأوقات، أی فی نفس الوقت الذی یکره فیه وقوع الطلاق، و تحققه، ولا یخفی تأسّفه و انزعاجه منه .. ولکن لا یوجد فی بعض الأحیان حل أفضل منه.

و نقول فی توضیح هذا الموضوع لا بدّ أوّلاً من دراسة طبیعة الزواج.

إن الزوجیة علقة طبیعیة و میثاق باطنی بین رجل و امرأة یختلف إختلافاً کاملاً عن جمیع المواثیق و العقود الإجتماعیة الاخری مثل البیع و الصلح و الإجارة و الرهن.

فانّ هذه العقود و المواثیق مجرّد مواثیق إجتماعیة و اعتباریة لا دخالة للطبیعة و الغریزة فیها، علی العکس من میثاق الزواج و عقد الزوجیة الذی لا جذور فی صمیم طبیعة الزوجین و غرائزهما، و ینشأ من رغبةٍ طبیعیةٍ، و میل غریزیٍ.

إن الزواج ینشأ من میل و انجذاب باطنیّین لدی کلٍّ من الرجل و المرأة تجاه الآخر و من رغبةٍ غریزیة فی الاتحاد و التوافق القلبیّین.

ففی جانب الرجل یکون المیل إلی المرأة و تعشّقها و خطبتها و بالتالی تصرّف شخص المرأة ذاتها، و فی جانب المرأة تکون الإثارة و الجاذبیّة، و لفت نظر الرجل، و محاولة النفوذ فی قلبه و السیطرة علیه.

إنّ صرح العائلة و بناء الاسرة یقوم فی الحقیقة علی هاتین الدعامتین، فالمرأة تطلب حب الرجل و مودته لها، و السیطرة علی قلبه، فإذا وصلت إلی هدفها، و حصلت علی مقصودها هذا إطمانّت إلی حیاتها الزوجیّة،و عاشت رخیّة البال نشطةً، مسرورةً، و حوّلت جوّ الاسرة إلی محیط أمنٍ، و محطة إستراحةٍ للرجل (الزوج) و الأولاد، و بالتالی اطمأنّ الرجل (الزوج) إلی اسرته، و أنس بها، و استراح إلیها، و علّق علیها آماله، و اجتهد فی توفیر مستلزمات الرفاه و الراحة، لاعضائها، و قام فی هذا السبیل بکل تضحیةٍ ممکنةٍ.

 

فعلی هذا الأساس یعتبر حب الرجل لزوجته أحد أهمّ عوامل السّعادة الزوجیة بل مما تتوقف علیه عواطف الامومة التی تبدیها الام تجاه اولادها کذلک.

فان المرأة التی تتمتع بمحبة زوجها لها یمکنها أن تربی أولادها بشکل صحیح، و تروّیهم بالعواطف، و تربیهم فی حضنها الدافیء.

أما إذا فقدت المرأة ـ ولأیّ سببٍ کان ـ حبّ الزوج لها، و جاذبیّتها عنده، و تضاءلت نیران مودّته لها أو انطفأت بالکامل، فانّه حینئذٍ یجب اعتبار مثل هذه الاسرة منهارةً و محطّمةً لأنها لا تنطوی علی عنصر الجاذبیة، ولم یعد فیها ما یجذب لا الرجل ولا المرأة .. إنه بیت بارد خالٍ‌ عن دفء المحبة، خال عن سخونة المودّة .. إنه بیت مقفر و موحش، و مظلم و رهیب، إن مثل هذا البیت لا یمکن أن یکون محلّ استراحةٍ و محطة استجمامٍ للرجل بل هو سجن لا یتحمّل، و جحیم لا یطاق.

إن الإسلام رغم أنه یبغض الطلاق و یندّد به بشدة لا یمکنه فی مثل هذه الحالات المأساویة أن یحمل الرجل و م د اللذین اختلفا بحکم الطبیعة و تنافرا من حیث الغریزة، علی الاستمرار فی تحمّل ثقل مثل هذا الزواج المزعج و غیر المطلوب لهما، بل یظهر تاسفه الشدید من هذا الوضع، و یرخّص فی الطلاق ذلک العمل الذی یبغضه بشدّة.

انّ الإسلام لا یحرّم الطلاق قانوناً، ولکنّه یکافح بشدة العلل التی تؤدی إلی الطلاق، لیتوقّاه، و یتجنّبه .. وقد قلنا سابقاً ان حبّ الرجل لزوجته هو أهمّ عوامل و دوافع حدوث الزواج، و أفضل ضمانة لبقائه و استمراره و لسعادة الاسرة و راحتها و أمنها، و لهذا فهو یکافح العلل و العوامل التی یمکن أن تعرّض هذا الحبّ لخطر النقصان أو الزوال.

فهو من جانب یوصی النساء بأن یراعین الحجاب ولا یعرضن زینتهنّ للرجال الأجانب، و ان یکنّ فی معاشرتهن بحیث لا تلفتن نظرهم، ولا تجلبن إهتمامهم، و بالتالی لا یحاولن أثارة غیر أزواجهنّ من الرجال الأجانب، و أزواج غیرهن من النساء.

و من جانب آخر یوصی الرجال بأن لا ینظروا إلی النساء الأجنبیات، و أن یغضوا من أبصارهم اذا صادف ان وقعت عیونهم علیهن، و أن یتجنبوا مفاکهتهن و ممازحتهن.

ولقد کان الإسلام یهدف من هذا تطهیر البیئة الإجتماعیة من عوامل الإنحراف، و الزلل، و الاستمتاعات الجنسیة غیر المشروعة، و أن یحصر الاستمتاعات الجنسیة فی إطار البیوت، و بین الأزواج الشرعیین.

لقد أراد الإسلام أن یمنع من التفرّج علی الأجنبیات، الذی یعدّ من أهم عوامل الإنحراف و العشق الحرام، و المیل إلی غیر الزواج المشروع، و الذی هو نتیجة النظر إلی الفتیات و النساء فی الازقة و الشوارع و الطرقات.

و من جانب آخر حثّ النساء علی أن یقدّرن محبّة أزواجهن، و یجتهدن فی الحفاظ علیه، فیتزینّ لأزواجهن، و یرضین رغباتهم الجنسیّة، و یشغلن کل قلوبهم لکی لا یترکن فیها مجالاً لاخری، ولکی یزدن من شعلة حبهم لهنّ یوماً بعد یوم.

و من جانب آخر یوصی الرجال قائلاً بأن زوجتک أمانة إلهیة عندک فأکرمها، و أظهر حبّک و مودّتک لها.

إن الإسلام یهدف من وراء کل هذه التدابیر الحکیمة أن یبقی علی حبّ الرجل لزوجته الذی هو أهمّ ضمانةٍ للسعادة الاسریّة و أفضل وسیلة لتقویة دعائم الرابطة الزوجیة، و الابقاء علی علاقة الزواج، و ان یصون الاسرة من خطر نقصان هذا الحبّ أو زواله الذی هو أهم عوامل حدوث الطلاق و الافتراق البغیض.

ولقد استخدم الإسلام ـ فی هذا المجال ـ عدة تعالیم أخلاقیة للإبقاء علی جذوة الحب بین أعضاء الاسرة و منعها من الإنطفاء، و ظهور أرضیة الطّلاق بسبب إنزعاج الرجل، و استیائه.

لقد حدّد الإسلام وظائف و حقوقاً لکلّ واحدٍ من الزوجین، و أوصی الزوجین معاً بأن یجتهدا فی تقویة دعائم الاسرة، و روابطها بالرعایة الکاملة للحقوق المتقابلة و الإحترام المتقابل، و بحسن المعاشرة و التزام سعة الصدر و العفو، و ان یقدّما الحب و الانس الزوجیین علی کلّ شیء، و أن یجتهدا فی حفظهما و استمرارها، و أن یتجنبا الانانیة و الاستبداد و العناد، و العنف، و یعالجا الإختلاف فی السلائق و الرغبات، بالعقل و الإنصاف و حسن النیّة، ولا شکّ أنه برعایة الوظائف و الأخلاق الاسریّة التی رسمها الإسلام یمکن المنع من حدوث أجواء و عوامل الطلاق إلی درجة کبیرة و ملحوظة.

أما إذا اشتدّت الخلافات بین الرجل و المرأة و خیف أن تنتهی إلی الطلاق فان الإسلام یقترح ـ هنا ـ تشکیل محکمة العائلة .. یقول فی القرآن الکریم: (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَیْنِهِما فَابْعَثُواْ حَکَما ًمِّنْ أَهْلِهِ وَ حَکَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ یُریْدَا إِصْلاحاً یُوَفِّقِ اللّهُ بَیْنَهُمَا إِنّ اللّهَ کَانَ عَلیْماً خَبِیًراً).(7)

فی مثل هذه الحالة یقترح الإسلام بأن یتدخّل أولیاء الزوجین و أقر باؤهما، فیشکّلوا محکمة یکون أحد قضاتها من أقرباء الزوجة، و الآخر من أقرباء الزوج، و یمکن أن یکون الحکمان من غیر أقرباء الزوجین أیضاً.

ثم یقوم القاضیان المذکوران باستعراض و دراسة موارد الخلاف، و مواطن الاختلاف، بصورة دقیقة و منصفة، فاذا أحسّا بأن موارد الاختلاف بین الزوجین لیست عمیقة، و أنّ جذوة الحبّ الزوجیّ لا تزال مشتعلةً، و کان الصلح و الاستمرار فی الحیاة الزوجیة ممکناً، عملا علی الإصلاح بین الزوجین، ورأب الصدع، و حکما بینهما علی أساس العدل و الانصاف و التذکیر بموارد التخلّف عن الحق بلهجة ناصحة صادقة، و إیقاف کل واحدٍ من الجانبین (الزوجین) علی وظائفه و لزوم العفو و الاغماض، و بالتالی أن یبحثا عن علل الاختلاف و بعد التعرف یعملا علی ازالة اسباب الانزعاج، و الاختلاف، و یصلحا بینهما ..

علی أن الصلح الذی یوجده و یقرّه الحکمان الإسلامیّان یختلف إختلافاً کبیراً عن الصلح الذی یمکن أن یقیمه و یقره القانون عن طریق الإکراه و الإجبار.

فان الصلح القانونیّ یشبه الصلح بین شریکین أو جارین أو دولتین اختصمتا، فانهما ملزمان بموجب حکم القانون أن لا یعتدی ای واحدٍ منهما علی حقوق الطرف الآخر.

ولکن الصلح الذی یریده الإسلام و ینشئه هنا هو عبارة عن إیجاد الوحدة و المحبة، و العلاقة الباطنیة بین الرجل و المرأة بحیث یصبحان قلباً واحداً و یری کل واحدٍ منهما سعادته فی سعادة الآخر.

إن الحکمین الإسلامیّین یجتهدان هما الآخران لیقیما مثل هذا الصلح بین الزوجین.

أما إذا توصّل الحکمان فی تحقیقهما إلی أن جذوة الحب و العلاقة بین الزوجین المتنازعین قد انطفأت بالکامل، و ان إختلافاتهما عمیقة جداً إلی درجة أنه لم یعد هناک أمل فی الإصلاح و لم یمکن بالعفو العودة بالمحبة الزوجیة إلی حالتها الطبیعیة مطلقا، فان الإسلام یجوّز فی هذه الصورة الطلاق، و الإفتراق، اذ لا مناص منه ولا خلاص.

علی أنه بعد جمیع هذه المراحل لا یکون إیقاع أمر الطلاق من السهولة و الیسر و البساطة بحیث یقع فوراً بل إن الإسلام تعمّد فی أن یقرّر شروطاً من شأن مراعاتها أن توجب تأخیر وقوع الطلاق عسی أن یحصل انصراف من ذلک الحلّ البغیض.

و أساساً إن الطلاق هو أحد الخسائر المؤسفة المؤلمة فی مجال الزواج و العالم الزوجی، و هو یستتبع تبعاتٍ و مشاکل کثیرهً یصعب تحمّلها علی الزوجین و بخاصّة‌الرجل.

فی القوانین الإسلامیة جعلت اکثر تبعات الطلاق علی عاتق الرجل، بحیث أنه لو فکر بتعقّل لا نصرف عنه.

إن علی الرجل أن یعطی مهر زوجته کاملاً ـ عند الطّلاق ـ إن لم یکن قد دفعه إلیها بعد.

یقول فی القرآن الکریم: (وَ آتُواْ النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَیْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَکُلُوهُ هَنِیْئًا مَریئاً ).(8)

و یقول أیضا: (وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَکَانَ زَوْجٍ وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَیْئاً أَتَأْخُذُوْنَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبًِی1ْناً . وَ کَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضَى‏ بَعْضُکُمْ إِلى‏ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْکُمْ میثاقاً غَلیظاً ).(9)

إن المهر حق شرعی و قانونی من حقوق المرأة و یمکنها أن تستوفیه کاملاً عن طریق القانون.

و علی هذا یجب علی الرجل أن یدفع مهر زوجته المطلّقة کاملاً‌ .. هذا مضافاً إلی أنّ علیه إذا أراد أن یتزوّج من جدیدٍ أن یفکّر فی مهر الزّوجة الجدیدة و جمیع نفقات الزواج المجدّد.

هذا من جانب، و من جانب آخر فانّ علیه أن یتحمّل مسؤولیة حضانة و رعایة أولاده الّذین أمّهم ـ بالطّلاق ـ و یتکفّل نفقات الحضانة إذا أراد أن یسلّمهم إلی أحد.

کما أن علیه أن لا یغفل عن مشکلات عدم الإنسجام بین زوجته الجدیدة و بین أولاده من الزوجة الاولی، کما أن وضع الزواج الجدید لیس من الوضوح بحیث یطمئن إلیه، فربما یبتلی بامرأة‌ أسوأ من سابقتها بدرجات و مراتب أشدّ.

 

إن أخذ کل هذه المشاکل بنظر الإعتبار یجسّد أمام عیون الرجل صورةً قاتمةً من الطلاق، تکفی ـ لو فکّر بعقلانیة ـ أن ینصرف عنه غالباً.

ولکن المشکلة هی مع الأسف تکمن فی اللجاج و العناد و التوقعات غیر الصحیحة التی قد یصاب بها الزوجان فتمنعهما من التفکیر الصحیح، و رؤیة العاقبة المشؤومة للطلاق و الانفصال.

و لهذا فانّ الإسلام بتدابیره الحکیمة حاول أن یؤخر وقوع عملیّة الطلاق علّ ان تخف سورة اللجاج و العناد، و یفکّر الزوجان المتنازعان فی العواقب و ینصرفا عن الطلاق و الانفصال.

یجب أن لا یستعجل منفّذ صیغة الطلاق و مجریها الذی هو غالباً من علماء الدین فی إجراء الطلاق، بل یجب أن یؤخر هذه العملیة بحجج مختلفة، و یجتهد فی أن یزیل الاختلافات و یقیم الصلح، و الوفاق بین الزوجین.

ولقد اشترط الإسلام حضور شاهدین عادلین یشهدان إجراء مراسیم الطلاق، و حیث أن الحصول علی شاهدین عادلین یقبلان بالحضور فی مجلس الطّلاق أمر عسیر غالباً وهو یحتاج إلی مدة لهذا فان من الطبیعی أن یتأخر الطلاق بعض الوقت.

هذا مضافاً إلی أنه ربما یسعی الشاهدان العادلان بحکم واجبهم الإنسانی، و بمقتضی العدل و التقوی اللذین یتمتعان بهما إلی وعظ الزوجین، و إزالة الخلاف بینهما، و صرفهما عن الطلاق، و الافتراق.

کما أن صحة الطلاق مشروطة بأن تکون المرأة فی طهر لم یواقعها فیه زوجها، و هذا الشرط نفسه یوجب تأخیر عملیة الطلاق قهراً.

لقد أراد الإسلام بهذه التدابیر الحکیمة و نظائرها أن یؤخر عملیة الطلاق قدر الإمکان علّ أن تخف أو تزول حالة اللجاج و العناد و العصبیة و الغضب و یعود الزوجان إلی رشدهما، و ینصرفا عن الطلاق، و یعودا إلی حیاتهما الزوجیة.

لقد بلغ من اهتمام الإسلام أنه سمح للرجل فی زمان عدة الطلاق الرجعی،(10) إذا ما ندم، أن یرجع إلی زوجته من دون حاجة إلی تجدید صیغة الزواج.

و هنا یمکن أن یقول قائل: إن کلامکم هذا أنما یصحّ و یجری فی حقّ الرجال الملتزمین بالأخلاق الحسنة و الضوابط الإنسانیة و الإسلامیة أما طلاب الهوی، و عبید الهوس، و الشهوانیّون و الفسقة من الرجال فلا یجدیهم کل هذا، فان قانون الطلاق یسمح لأمثال هؤلاء کلّما هووا إمرأة جدیدةً بان یفکّروا فی تطلیق زوجتهم السابقة التی أفنت زهرة شبابها، و خیرة طاقاتها فی بیته، و خدمته، و إخراجها من عشه الزوجی، فکیف یمکن أن نوفّق بین هذا، و بین العدل الإسلامی؟

ألستم تقولون إن قوانین الإسلام قامت علی أساس العدل و الإنصاف؟

اذا لم یکن هذا ظلماً، فما هو تری الظلم إذن؟ ألم یکن من الأفضل أن یمنع الإسلام الطلاق رأساً، أو یقیّده بقیود و شروط لیمنع من هوس الرجال من طلاب الهوی و أسری الهوس؟

فی الإجابة علی هذا السؤال نقول: إن الإسلام یخالف کل لون من ألوان الهوس، و یعارض کلّ طلاق یقع علی هذا الأساس معارضة شدیدة.

و یندد بفاعله بشدة، ولکن الإسلام لا یری مصلحة الاسرة فی أن یحمل امرأةً سقطت من عین زوجها، و فقدت مکانتها فی قلبه علی أن تعیش بقوة القانون إلی جانبه.

إن المرأة یمکن أن تبقی بقوّة القانون فی بیت زوجها، و یجبره علی الإنفاق علیها ولکن مثل هذه المرأة لن تکون محبوبةً عند زوجها، ولن تحظی بالشخصیة و الاحترام لدیه فی هذه الظروف.

إن أکبر عذاب للمرأة و أسوأ تحقیر لها هو أن تکون مبغوضةً مکروهةً عند زوجها ثم ترید مع ذلک أن تعیش بقوة القانون فی بیت مثل هذا الرجل .. إن مثل هذا البیت لن یکون محطّة استراحة، و کهف أمن و مرفأ خیر.

إن محبوبیة المرأة التی هی امنیتها الطبیعیة لا تتوفر بقوة القانون واجباره قط.


إشکال و جواب:

یمکن أن یقول قائل: لماذا جعل الإسلام حق الطلاق بید الرجل فقط، و حرم المرأة من ذلک؟ مع أن نفس الامور التی ذکرتموها فی فلسفة تشریع الطلاق للرجل، یحتمل أن تقع فی جانب المرأة أیضاً؟

فمثلا قلتم: إن الحبّ أساس الحیاة الزوجیة ثم استنتجتم بأن جذوة الحب و العلاقة إذا انطفأت فی قلب الرجل حیال زوجته، فکرهها، ولم یکن هناک أمل ولا طریق رجعة، کان له الحق فی مثل هذه الصورة أن یضع حداً للعلاقة الزوجیة بالطلاق لانعدام الحیاة الطبیعیة فی مثل هذه الاسرة، فان نفس هذا الإحتمال وارد فی جانب المرأة، اذ یمکن أن تنطفیء جذوة الحب فی قلب المرأة بالنسبة لزوجها فلم تعد تحبه و تهواه، ولم یعد هناک طریق رجعة، ففی مثل هذه الحالة یجب أن یکون من حق المرأة أن تطلّق زوجها هی أیضاً، فلماذا لا یکون کذلک؟

إن الجواب علی هذا الاعتراض هو: صحیح أنّ الحیاة الزوجیّة تتوقف علی وجود العلاقة بین الرجل و المرأة ولکن نقصان أو زوال علاقة المرأة بزوجها لا یمکن ان یعتبر بمثابة انتهاء العمر الطبیعی للحیاة‌الزوجیة بل یجب عدّه من علائم تقصیر أو قصور الرجل فی اجتذاب زوجته و کسب محبتها.

لقد قلنا سابقاً انّ العلاقة الزوجیّة قد اودعت فی طبیعة الرجل و المرأة علی نحوین متفاوتین: فالرجل طالب، و المرأة مطلوبة .. و الطلب و اظهار الحب هو دائما یبدأ من جانب الرجل، و المرأة علی العکس من ذلک تلبّی هذا النداء و تستجیب لهذا الطلب. فحب المرأة و علاقتها ناشئة من إظهار الرجل للرغبة و الحبّ، وردّة فعل علی موقفه، و عمله.

و علی هذا فان مفتاح العلاقة و المحبة الزوجیتّین هو فی ید الرجل. فالرجل هو الذی یجب زوجته و یظهر حبّه هذا لها قولاً و عملاً، و بالتالی یجعلها تطمئن إلی اسرتها، و زوجها .. و الرجل هو الذی بعدم محبته لزوجته و عدم الاکتراث بها یجعل زوجته غیر راغبة فیه، فهو الذی یحملها علی حبّها له وهو الذی یحملها علی عزوفها عنه.

و علی هذا الأساس فانّ برود الرجل فی حبه لزوجته و خمود جذوة مودته لها بالکامل هو الذی یمکن أن نعتبره النهایة الطبیعیّة لحیاة الاسرة، و أما برود المرأة فی حبها، و عزوفها عنه فلا یکون من علائم الموت الحتمیّ للحیاة الزوجیة، بل هو علامة تدل علی أن زوجها لم یتمکن بحبّه و إظهار مودتها لها ان یکتسب حبها له و رغبتها فیه، و یجعلها تطمئن إلی الحیاة، و تکون وفیّةً لزوجها منشدّةً إلیه.

و فی مثل هذه الصورة یجب علی الرجل أن یعید النظر فی برامجه و مواقفه و فی اخلاقه و سلوکه، و یجتهد حتی یتألف قلب زوجته، و یجعلها تطمئنّ مرةً اخری إلی محبته و وفائه .. و إلی حیاتها الزوجیة.

بناءً علی هذا لا یمکن ان یعتبر برود جذوة الحب لدی المرأة بالنسبة لزوجها من علائم إنتهاء الحیاة الطبیعیة العائلة، لیستنتج حینئذ أنه یکون للمرأة فی مثل هذه الحالة حق تطلیق زوجها.


مثال آخر:

اذا ظلم رجل زوجته و تجاوز علی حقوقها، ولم یف بها أو ببعضها أو ضیّق علیها،


496

ولم یسدّد نفقات معیشتها، أو لم یقم بحق المضاجعة، أو لم یعمل وفق (وَ عاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ) بل راح یضربها و یشتمها، و من جانب آخر لا یرضی بطلاقها، و تسریحها، فما هو وظیفة هذه المرأة المظلومة فی هذه الحالة؟

فهل علیها أن تصبر و تتحمّل کلّ ذلک العذاب و العناء إلی أن یأتی أجلها و تودّع الحیاة؟؟

ألیس هذا ظلماً؟ فلماذا لا یعطی حق الطلاق بید المرأة حتی تخلّص نفسها من هذا السجن المقرون بالأعمال الشاقة؟

الجواب هو: أن الإسلام قام علی أساس العدل و الإنصاف و رعایة حقوق الاشخاص، وهو لا یجوّز أبداً سلوک الرجل المشین مع زوجته فإذا عمد رجل إلی إیذاء زوجته، و هضم حقوقها ولم یرض بالطلاق، لم یسدّ الطریق علی مثل هذه المرأة المظلومة، بل یمکن لهذه المرأة أن تراجع إما الحاکم الإسلامیّ الشرعیّ و أما محکمة العائلة و تعرض شکواها علیهم، لیقرروا وظیفتها و واجبها.

و علی المحکمة أن تلزم الرجل (الزوج) بأداء کافّة حقوق زوجته أو یطلّقها و یسرّحها.

قال فی القرآن الکریم: (وَ إِذا طَلّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ وَ لا تُمْسِکُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُواْ وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).(11)

إن الآیة المذکورة و إن وردت فی مورد الطلاق لکنها لا تختص به، بل یمکن ـ و کما قال بعض الفقهاء ـ ان یستنبط منها حکم کلّیّ.

فانه یستفاد من هذه الآیة و من الأدلّة و الشواهد الاخری أن علی الرجل أن یختار فی الحیاة الزوجیة أحد طریقین:

إما حسن المعاشرة مع زوجته و القیام بحقوقها بصورةٍ جیدةٍ (فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ـ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

و إما أن یقطع علاقة الزوجیة و یسرّح زوجته بالطلاق (سرّحوهنّ بمعروف).

ولکنّه لا یجوز أن یختار طریقاً ثالثاً یعنی لا أن یؤدی إلی المرأة حقوقها، ولا أن یطلقها.

إن اختیار الشق الثالث قد نفی فی ذیل الآیة الحاضرة إذ قال: (وَ لا تُمْسِکُوهُنّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا).

و علی هذا الأساس إذا عصی الرجل، ولم یقم بحقوق زوجته خیر قیام کان للمرأة الحق فی أن ترفع شکواها إلی الحاکم الشرعیّ الإسلامیّ لیوضح و یحدّد لها وظیفتها.


فکّروا و أجیبوا:

1ـ ما هو رأی الإسلام و موقفه من الطلاق؟

2ـ لماذا اعتبر الإسلام الطلاق افضل حلٍّ فی بعض الحالات؟

3ـ ماذا اقترح الإسلام للحیولة دون وقوع الطلاق؟

4ـ ما هی تعالیم الإسلام للحفاظ علی محبة الرجل لزوجته؟

5ـ ماذا یقترح الإسلام إذا اشتدّت الخلافات بین الزوج و زوجته؟

6ـ ما هی التدابیر التی اتّخذها الإسلام لتأخیره عملیّة الطلاق قدر الأمکان؟

7ـ ما هی فائدة تأخیر إیقاع الطلاق؟

8ـ لماذا لم یسمح الإسلام للمرأة بطلاق زوجها إذا هی کرهته؟

9ـ هل جعل الإسلام طریقاً لنجاة المرأة و خلاصها إذا ظلمها زوجها و امتنع من تطلیقها؟

 

 

1 ـ الوسائل ج 15 ص 267.
2 ـ الوسائل ج 15 ص 267.
3 ـالوسائل ج 15 ص 267.
4 ـ مکارم الاخلاق ج 1 ص 248.
5 ـ مکارم الاخلاق ج 1 ص 225.
6 ـ مستدرک الوسائل ج 3 ص 2.
7 ـ النساء ـ 35.
8 ـ النساء 4.
9 ـ النساء 20ـ 21.
10 ـ زمان عدة الطلاق الرجعی عبارة عن لزمان الذی یقع فیه الطلاق إلی ان تری المرأة ثلاث حیضات.
11 ـ البقرة ـ 231.