پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثالث و الستون المرأة و الحريّة

 الدرس الثالث و الستون
المرأة و الحریّة

إنّ المرأة ـ مثل الرجل ـ خلقت حرّة، وهی ترغب فی أن تعیش حرّة، لا یتدخّل الآخرون فی حیاتها، ولا فیما تتخذه من قرارات.

إنّ الرغبة فی الحرّیة رغبة طبیعیة و حق مشروع من حقوق الإنسان، ولکن الحریّة المطلقة لا یمکن أن تقع لأحد، لأن الإنسان یعیش فی المجتمع، و یحتاج إلی الآخرین، و لهذا فهو مضطرّ إلی أن یراعی المقررات الإجتماعیة و یلاحظ حقوق سائر الأفراد .. و لهذا فهو مضطر إلی أن یقیّد رغباته و میوله فی حدود المقررات الإجتماعیة.

هذا مضافاً إلی أنّ علی الإنسان أن یراعی عند اختیاره عملاً، او اتخاذه قراراً، مصالح نفسه أیضاً، لأن بعض رغباته و میوله لا تلائم حتی مع مصالحه هو أیضاً.

إن الإسلام یحترم حق الناس فی الحرّیة و العیش حراً، ولکن لا یری الحریة المطلقة فی مصلحتهم، و لهذا فهو یحدّد حرّیاتهم بجعل و تشریع التکالیف الفردیّة و الإجتماعیة.

و یمکن أن لا یستسیغ طائفة من الناس بعض الواجبات و الوظائف، و یعتبرها معارضةً و مزاحمةً لحریاتهم، غیر أنّ هذا الحکم ناشیء من عدم معرفة الإنسان الصحیحة بمصالحه الحقیقیة. و لهذا السبب یحتاج البشر إلی الأنبیاء و الشرائع السماویة.

إنّ الإسلام احترم حقّ المرأة فی الحریّة وراعاها فی جمیع تشریعاته مراعاةً کاملةً، ولکن لا الحرّیة المطلقة، و غیر المقیّدة، بل سنّ تلک التشریعات مراعیاً ترکیب المرأة الخاص، و مصالحها الحقیقیة، إلی جانب مراعاة سائر أفراد المجتمع.

و نحن هنا لا یمکننا أن نأتی بتفصیل هذه الامور کلها، ولکننا نشیر باختصار إلی طائفة منها:

1ـ الحریّة فی العمل: إنّ المرأة ـ کما أسلفنا ـ أحد رکنی الإجتماع وهی لذلک تتحمل طائفة من المسؤولیات.

إن المرأة لا تستطیع، بل ولا ینبغی أن تکون عضواً مشلولاً، و عنصراً عاطلاً، فارغاً فی المجتمع.

إنّ الإسلام یعتبر العمل واجباً من الواجبات و وظیفة من الوظائف، بل أفضل العبادات و یحذّر أتباعه من البطالة، و الفراغ، ولنا فی هذا المجال احادیث کثیرة نشیر إلی بعضها:

قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: العبادة سبعون جزءً أفضلها طلب الحلال.(1)

و عن بشیر الدّهان قال: سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول: إنّ الله جلّ و عزّ یبغض العبد النوّام الفارغ.(2)

ان العمل حق من حقوق الإنسان بل و وظیفة من وظائفه، و إن المرأة و الرجل متساویان فی هذا المجال.

إن المرأة ـ کذلک ـ یجب أن تقوم بهذه الوظیفة، وهی حرة فی إختیار نوع العمل، ولکن الاشتغال بأی عملٍ مهما کان لا یناسب شأن المرأة، ولا یوافق مصالحها الواقعیة و مصالح سائر أفراد الاجتماع.

إن المرأة و إن کانت تشارک الرجل فی الإنسانیة ولکنها ذات خصائص من جهة ترکیبها الجسدی و النفسیّ توجب بعض التفاوت فی المصالح و الواجبات المرتبطة بها.

فهی من جانبٍ کائن لطیف و جمیل یجتذب الرجل بشکل خاص .. إن اللطافة و الجمال رأس مال المرأة، و هما أفضل وسیلة لاجتذاب الرجل و ان من مصلحتها أن تحسن جمالها و لطافتها ..

إن من مصلحة المرأة أن تراعی هذا الأمر عند اختیار شغلٍ من الأشغال، فعلیها أن تختار أشغالاً لا تعرّض لطافتها، و جمالها للخطر.

إن الأشتغال بالأعمال الثقیلة و الشاقّة و المضنیة لیس من مصلحة النساء.

ولقد جاءت الإشارة فی بعض الأحادیث الإسلامیة إلی هذه النقطة:

فی رسالة أمیرالمؤمنین إلی الحسن علیهما السلام قال: لا تملَّک المَرأة مِنَ الأمِر ما یُجاوِزُ نَفسَها، فإنَّ ذلِکَ أنعَمُ لحِالِها، وَ أرخی لِبالِها وَ أدوَمُ لجِمالِها، فَإنِّ المرأَةَ رَیحانة ولیست بقهرَمانةٍ.(3)

و علی أثر هذه الجاذبیّة التی تتمتع بها المرأة، و منعاً من وقوع الشباب فی المفاسد الإجتماعیة، و بغیة حفظ السلامة و الأمن الإجتماعی أوصی الإسلام النساء بأن یراعین الحجاب عند حضورهنّ فی المجتمع، و أن یقلّلن من معاشرة الرجال الأجانب و التحدث معهم.

و علی هذا الأساس یتوجب علی النساء أن یراعین عند اختیار الشغل، هذه الناحیة، فیقبلن بالأعمال التی یقمن بها فی بیئتهنّ الخاصة، أو فی الأماکن الخاصّة بالنساء، أو یقلّ فیها إرتباطهنّ و معاشرتهنّ للرجال الأجانب، و محادثتهنّ معهم.

من جانبٍ آخر، المرأة کائن عاطفی، وهی تتأثر عاطفیاً أسرع من الرجال، و لهذا فلا تناسب الأشغال العسکریة و النظامیّة و الجراحیة و القضائیة.

إذا تزوّجت المرأة، و رزقت أولاداً وجب أن تلتفت إلی هذا المطلب أیضاً وهو أنّها تحمل فی وضعها الجدید هذا مسؤولیّةً أکبر واثقل، وهی عبارة عن حفظ وصیانة البیت الزوجیّ، و حسن البعولة، و تربیة الأولاد.

و علی هذا الأساس یجب علیها أن تراعی هذا الجانب فی إختیار الشغل أیضاً فتقبل بالأعمال التی لا تضر بالنظام العائلیّ، ولا تعارض مهمّة تربیة الاولاد.

إنّ علیها أن تتفاهم مع زوجها فیما تنوی القیام به من الاشغال خارج البیت، و من المسلّم أنّ الزوجین لو تجرّدا من الانانیات و العصبیات غیر السلیمة، و تفاهما، لتوصّلا الی اتّفاق ولم تبق هناک مشکلة قط، فی الأغلب.

2ـ الحریّة‌فی التملک إن المرأة مثل الرجل تماماً تملک أموالاً عن طریق العمل، و التجارة، و الإرث، و المهر، والهبة، و غیر ذلک من الطرق المشروعة للملکیة.

إنها مالکة لأموالها، و لها أن تتصرّف فیها کیف ما ترید، و لا یحقّ لأحدٍ أن یتصرّف فی أموالها بدون إذنها .. قال فی القرآن الکریم:

(وَ لا تَتَمَنّواْ مَا فَضّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ، لِلرِّجَالِ نَصِیْبٌ مِمّا اکْتَسَبُواْ وَ لِلنِّسَاءِ نَصِیْبٌ مِمّا اکْتَسَبْنَ وَ سْئَلُواْ اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنّ اللّهَ کَانَ بِکُلّ‏ِ شَیْ‏ءٍ عَلیْما ً).(4)

3ـ الحریّة فی الزواج و اختیار الزوج: انّ المرأة حرّة فی اختیار الزوج حریةً کاملةً. إنّ تزویج الفتاة البالغة بدون رضاها لا یصحّ، ولا یحقّ لأحد أن یجبرها علی الزّواج حتی الأب و الامّ و الجد و الأخ .. و هذا من ضروریّات الفقه و أحکامه المسلّمة .. وقد صرّحت به أحادیث منها:

عن منصور بن حازم عن أبی عبدالله علیه السلام قال: تستأمر البکر و غیرها و لا تنکح إلّا بأمرها.(5)

و عن داود بن سرحان عن أبی عبدالله علیه السلام فی رجل یرید أن یزوّجَ اُخته، قال: یؤامِرُها فإن سَکَتت فهوَ إقرارُها ولا تُنکَحُ إلّا بِأمرِها.(6)

و علی هذا الأساس یشترط رضا المرأة بالزواج فی جمیع الموارد سواء کانت بکراً أو ثیّباً. ولکن هل یشترط مضافا إلی ذلک إذن أبیها أو جدها فی صحة الزواج أیضاً أولا، هنا تفصیل نشیر إلیه.

إذا کانت المرأة ثیّباً أی کان قد ازیلت بکارتها قبل ذلک فانّها لا تحتاج فی الزواج الجدید إلی اذن الاب او الجد أو أی فرد آخر. و هذا أمر قد صرّحت به أحادیث منها:

عن الحلبی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: فی المرأة الثیّب تخطب إلی نفسها، قال: هی أملک بنفسها تولّی أمرها من شاءت إذا کان کفؤاً بعد أن تکون قد نکحت رجلاً قبله.(7)

و عن أبی عبدالله علیه السلام قال: لا بأس أن تزوّج المرأة نفسها إذا کانت ثیّباً بغیر إذن أبیها إذا کان لا بأس بما صنعت.(8)

 

أما إذا کانت الفتاة بکراً فان أکثر الفقهاء یشترطون إذن أبیها أو جدّها أیضاً فی صحة الزواج، و تمسکوا فی هذا المجال بأحادیث منها:

أبو مریم عن أبی عبدالله علیه السلام قال: الجاریة البکر التی لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبیها.(9)

و بناء علی فتوی هؤلاء الفقهاء تتقیّد حریة الفتاة الباکرة فی اختیار الزوج بإذن الأب أو الجد.

ولکنّ هذا الموضوع لیس فقط غیر ضارٍّ بالفتاة، بل یکون غالباً فی مصلحتها، لأنّ معرفة الزوج و اختیاره أمر جدّ مهمّ و مصیریّ من جهة، و من جهة اخری حیث أنّ الفتاة الباکرة لم تتزوّج قبل هذا، و لیس4ت لدیها تجربة سابقة، کما و أن حیاءها یمنعها ـ فی الأغلب ـ من الفحص التام و التحقیق الکامل حول من یخطبها، لهذا فی تحتاج فی مسألة اختیار الزوج إلی مشاورٍ حکیمٍ، و مرشدٍ مجرّبٍ مخلصٍ، و الأب و الجد هما فی الغالب أفضل الأفراد الذین یمکنهم مساعدة الفتاة فی هذا الأمر المهمّ.

ثم إنّ استشارة الأب استئذانه ینطوی علی احترامه و تقدیره، ولا شک أن لهذا الأمر أثراً کبیراً فی حیاة الفتاة المستقبلیة، و حل المشاکل التی یحتمل أن تعترض حیاتها الزوجیّة.

ولا یخفی أن هناک موردین قد استثنیا من مسألة وجوب استیئذان الأب و هما:

أولاً: إذا لم یمکن تحصیل إذن الأب أو الجد.

ثانیاً: إذا خطب الفتاة خطّاب صالحون أکفّاء، ولکن والدها امتنع عن تزویجها بحجج واهیةٍ و معاذیر تافهة.

لقد استثنی الفقهاء هاتین الحالتین و قالوا یمکن للفتاة أن تقرّر کما ترید فی شأن الزواج ولا حاجة إلی إذن الأب.

4ـ الحرّیة فی تحصیل العلم: المرأة إذا لم تکن بذات بعل یمکنها مواصلة دراستها، ولا یحقّ لأحدٍ منعها من ذلک.

نعم ـ کما قلنا سابقاً ـ من الأفضل أن تکون دراستها هادفةً و مناسبةً .. و أن تواصل دراستها فی المجالات التی تهمّ النساء و یحتاج إلیها المجتمع النسویّ، و تکون مناسبةً للمرأة، و شأنها.

ولکن إذا کانت المرأة متزوّجةً یجب أن تشاور زوجها و تتفاهم معه فی مسألة مواصلة دراستها کما أن علیها أن تراعی حقوق زوجها و أبنائها فی هذا المجال.

5ـ الحرّیة فی اختیار المسکن: المرأة إذا لم تکن متزوجة فهی حرة فی إختیار المسکن و المکان الذی تقطنه.

ولکن إذا کانت متزوّجةً‌ فهی تتبع زوجها فی مسألة اختیار المسکن و المکان الذی تقطنه.

إن تهیئة المسکن تعد من نفقة المرأة وهی علی عهدة الرجل (الزوج)، و لهذا فانّ إختیاره أیضاً من صلاحیّاته و حقوقه.

یجب أن یکون المسکن الذی یختاره الرجل (الزوج) لأهله مناسباً لشأنهم، و فی مستوی و حدود مقدرته المالیة، و أن یکون محلاً مریحاً.

إذا کانوا یعیشون فی منزلٍ مشترک ولم تکن الزوجة مرتاحة، فطلبت منزلاً مستقلاً وجب علی الزوج ـ إذا کان قادراً ـ أن یحقق مطلبها هذا لأنه جاء فی القرآن الکریم: (وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ).(10)

و قال تعالی: (وَ لا تُضَارُُّوْهُنَّ لِتُضَیِّقُواْ عَلَیْهِنَّ ).(11)

 

ولکن إذا اشترط ضمن عقد الزواج أن یکون اختیار المنزل، و الوطن بید المرأة وجب علی زوجها أن یتّبع اختیار زوجته فی هذا المجال .. و تعدّ مخالفته لها فی ذلک معصیة، إلّا إذا حصل علی رضا زوجته.


فکّروا و أجیبوا

1ـ هل یمکن للانسان أن یعیش مطلق العنان؟ و لماذا؟

2ـ لماذا یعتبر البعض الواجبات الشرعیة معارضةً للحریة؟

3ـ ما هی النواحی التی یجب أن تراعیها المرأة فی إختیار العمل؟

4ـ هل یجوز أن تزوج الفتاة البالغة (البکر) بدون رضاها؟

5ـ متی تکون المرأة حرةً فی اختیار الزوج کاملاً؟

6ـ فی أیة حالة یجب إذن الأب أو الجدّ؟

7ـ ما فائدة إذن الأب للفتاة؟

8ـ إذا کانت المرأة متزوّجة ماذا یجب علیها لمواصلة دراستها؟

9ـ من هم الذین یجب أن تراعی المرأة حقوقهم؟

10ـ فی أیة صورة تکون المرأة حرّة فی اختیار المسکن.

11ـ إذا کانت المرأة متوزجةً الی من یکون إختیار المسکن و الموطن؟

 

1 ـ الکافی ج 5 ص 78.
2 ـ الکافی ج 5 ص 84.
3 ـ وسائل الشیعة ج 14 ص 120.
4 ـ النساء 32.
5 ـ وسائل الشیعة ج 14 ص 203.
6 ـ وسائل الشیعة ج 14 ص 206.
7 ـ وسائل الشیعة ج 14 ص 202.
8 ـ وسائل الشیعة ج 14 ص 204.
9 ـ الوسائل ج 14 ص 205.
10 ـ النساء 19.
11 ـ الطلاق 6.