الدرس السابع و الثلاثون
بعض خصائص الاُمة الإسلامیة و مسؤولیاتها
یعتبر القرآنُ الاُمَة الإسلامیَة اُمّةً متمیّزةً اختارها الله تعالی، و جعل علی عاتقها مسؤولیاتٍ جساماً .. إنها الاُمة التی سأل ابراهیم الخلیل(ع) ربّه أن تکون من ذریته و نسله، و أن تکون أُمّة مسلمةً للأوامر الإِلهیة، بل و سماهم ذلک النبی العظیم بالمسلمین.
یقول القرآنُ الکریمُ فی هذا الصدد: (یا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُوُُاْ ارْکَعُوا وَ اسْجُدُواْ وَ اعْبُدُواْ رَبّکُمْ وَ افْعَلُواْ الْخَیْرَ لَعَلّکُمْ تُفْلِحُوُُنَ. وَ جاهِدُواْ فِی اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَبَاکُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ . مِلّةََ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمَّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَ فِی هَذَا لِیَکُونَ الرَّسُولُ شَهیدًا عَلَیْکُمْ وَ تَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ . فَأَقِیمُواْ الصَّلاةَ وَ آتُوا الزّکَاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللّهِ هُوَ مَوْلاکُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النّصِیرُ).(1)
فی هاتین الآیتین یوصی سبحانه بعدة اُمور:
1ـ إرکَعوا و اسجُدوا لله.
2ـ إعبُدوا ربکم.
3ـ إفعلوا الخیر.
4ـ جاهِدوا فی الله حقَ جهادِه.
ثم یقول بعد ذلک: إنّ اللهَ (اجتباکم) اختارکم و أنّ امتکم هذه هی اُمة إبراهیم، وهو الذی سمّاکم المسلمین، و لهذا قومُوا بوظائفکم، و واجباتکم لیکون الرسولُ شاهِداً علیکم، و تکونوا شهداءَ علی الاُمم.
ثم یوصیهم بعد هذا بوظائف ثلاث اُخر:
1ـ أقیموا الصلاة.
2ـ آتوا الزکاة.
3ـ اعتصموا باللهِ الذی هو نعم المولی و نعم النصیر.
و یقول فی القرآن الکریم أیضاً: (رَبّنا وَ اجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَ مِنْ ذُرّیّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ وَ أَرِنَا مَناسِکَنَا وَ تُبْ عَلَیْنَا إِنّکَ أَنْتَ التّوَّابُ الرَّحِیمُ).(2)
فی هذه الآیة یطلبُ الخلیلُ علیه السلام من الله تعالی أن یجعله وَ وَلدَه المسلمین، کما و یجعل من ذریته اُمة مسلمة.
لقد ذکر فی القرآن الکریم للاُمة الإسلامیة خصائص و جعل علی عاتقها مسؤولیات و وظائفَ نشیر إلی طائفةٍ منها هنا:
1ـ (وَ کَذلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمّةً وَسَطًا ً لِتَکُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَ یَکُونَ الرّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیداً ).(3)
فی هذه الآیة وُصِفَت الاُمة الإسلامیة بخصیصة الوسطیّة .. وقد فسّر أکثُر المفسرین الوسط بالمعتدل، و قالوا إن الامة الإسلامیّة إنما وصفت بأنها اُمة وسط لکونها ـ بالتزامها احکامَ الإِسلام و قوانینه ـ بعیدة عن الإِفراط و التفریط .. إنّها مَزَجت بین الاُمور المادیة و المعنویة، و جمعت بین السَعادة و الکمال النفسیّین و السعادة و الکمال الجسدّیین فهی کما تستقبح الإِستغراق فی المادیات و اللذائذ الجَسَدیة و تذمه، لا تجیز الرهبانیّة و الإِعتزال و ترک الدنیا و لا تُسوّغه أیضاً.
و لهذا یکون معنی الآیة هکذا: إن الله جَعَلَکُمْ اَمةً معتدِلة لتکونُوا شهداء علی سائر الأمم و تراقِبُوها حتی لا تَقَعَ فی الإِفراط و التفریط بل یبقوا علی حدّ الإِعتدال و التوسط فی المسلک و المنهج.
وَ علی هذا فقد طُلِبَ من الأمة الإسلامیة أن تقوم ـ مضافاً إلی أحتفاظها باعتدالها ـ بمهمّة النظارة و الرقابة علی سائر الأمم أیضاً کیما تخرج تلک الاُمم من حالة الافراط و التفریط، و تلتزم جانب الاعتدال.
ولا شک أن القیام بمثل هذه المسؤولیة الثقیلة عملٌ صعب ٌجداً وهو یحتاج إلی تهیّؤٍ و تهیئةِ مقدماتٍ.
إن لفظة «الوسط» یمکن تفسیرهُا کذلکَ بالواسطة و المتوسط بین أمرین، و علی هذا فان الأمة الإسلامیة انما سمیت بالامة الوسط لکونها واسطة بین رسول الإسلام و سائر الامم و الاقوام التی توجد إلی یوم القیامة. یعنی ان نفس المسؤولیة التی وُضِعَت من جانبِ الله تعالی علی عاتِقِ رسول الإسلام وهی أن یجتهد فی سبیل تبلیغ الإِسلام و نَشره و هدایة الناس و إرشادهم، فهی ملقاة أیضاً علی عاتِقِ الامة الإُسلامیة، فان علیها ان تواصلَ العَمَل لتحقیق أهداف النبی، و تجتهد فی هذا السبیل.
و علی هذا یمکن تفسیر الآیة علی النحو التالی: إن الله جعلکم اُمة وسطاً لتواصلوا العملَ لتحقیق أهداف النبی، و تکونوا شهداء و مراقبین علی سائر الاُمم و الأقوام، و تجتهدوا فی إصلاحهم و إرشادهم و هدایتهم، و یکون رسول الله شاهدا ـ بدوره ـ علی عملکم، و اجتهادکم، و مراقباً لسعیکم و جهادکم.
2ـ یقول فی القرآن الکریم: (وَ لْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).(4)
و یقول: (کُنْتُمْ خَیْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).(5)
فی الآیة الأولی طُلب من الامة الإِسلامیة ان تجعل من نفسها اُمة قویة:
1ـ تدعُو البشریة فی العالم إلی الخیر.
2ـ تأمُر بالمعروف.
3ـ تنهی عن المنکر.
و فی الآیة الثانیة قیل: إنکم خیر الامم لأنکم تأمرون بالمعروف، و تنهون عن المنکر و تؤمنون بالله.
بناءً علی هذا فإنَ من الخصائص المهمة للأمة الإِسلامیة هو أن هذه الاُمة تدعو الناس فی العالم إلی الخیر، و تأمر بالمعروف و تنهی عن المنکَر. و هذه هی المسؤولیة الثقیلة جداً التی اُلقیت علی کاهل الأمة الإسلامیة. ولا ریب فی أن القیام بمثل هذه المسؤولیة الثمینة الثقیلة تحتاج إلی التهیُّؤ و الإِستعداد و تهیئة المقدمات و الأدوات، مثل تألیفِ الکتب المفیدة، و نشر المجلات و الجرائد المناسبة علی المستوی العالمی، و بث البرامج المفیدة من الإِذاعة و التلفزیون و المحاضرات النافعة، و کل وسیلة ممکنة اُخری.
إن علی الامة الإسلامیة ـ لکی ترهِبَ الاعداء المستکبرین و تحول دونَ الظلم و العدوان، و لأجل النهی عن المنکر ـ أن تجهّز نفسها بالسلاح و الجیش القویین اللَذین یرهبان الأعداء بحیث لا یعودون یفکرون فی العدوان و الظلم قط.
3ـ إن الخصیصة الثالثة و الرابعة للاُمة الإسلامیة هما أن الامة الإسلامیة اُمة متشددةٌ مع أعداء الإسلام، رحیمة مع المسلمین.
یقول فی القرآن: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً سِیماهُمْ فِی وُجُوهِهِِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ).(6)
فی هذه الآیة إشارة إلی خَصِیصتین من خصائص النبیّ و أصحابه (وهی بالتالی من خصائص الاُمة الإِسلامیة کذلک):
1ـ إنهم أشدّاء فی مقابل الکُفار و المشرکین لا یلینون مع المستکبرین المتسعمرین. و یجهزون أنفسهم تجهیزاً قویاً لا یحتاجون معه إلی التسلیم و المداهنة.
2ـ و أما بالنسبة إلی المسلمین فرُحَماء سُمَحاء انهم یعتبرون المسلمین جزءً من هیکل الاُمة الإِسلامیة الواحد، فیعتبرون راحتهم و سلامتهم من راحتهم و سلامتهم، و أَلمهَم و عَذابَهِم من أَلمِهمِ و عذابهم، و لهذا لا یألون جُهداً فی إصلاح أوضاع المسلمین العامّة و حلّ مُشکلاتهم، و یهتمون بها إهتماماً بالِغاً و مستمراً.
فکّرِوا و أجیبوا
1ـ لماذا الاُمة الإسلامیة اُمة مختارة؟
2ـ ما هی الاُمة الوسط؟ و ما هی المسألة الملقاة علی کاهلها؟
3ـ ما هی الخصیصة الثانیة للاُمة الإسلامیة؟
4ـ للقیام بهذه المسؤولیة ماذا یجب أن یُصنَع؟
5ـ کیف یجب أن یکون المسلمون تجاه الأعداء الکفار؟
6ـ کیف یجب أن یکونوا تجاه المسلمین؟
7ـ إحفظوا الآیات فی هذا الدرس، و تفسیرها جیداً؟
1 ـ الحج ـ 77 ـ 78.
2 ـ البقرة ـ 128.
3 ـ البقرة ـ 143.
4 ـ آل عمران ـ 104.
5 ـ آل عمران ـ 110.
6 ـ الفتح ـ 29.