پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرسُ الثامن و الثلاثون الإِنسانُ مِن منِظارِ الإِسلام

 الدرسُ الثامن و الثلاثون
الإِنسانُ مِن منِظارِ الإِسلام

یَعتبرُ الإِسلامُ «الإِنسانَ» کائِناً متعدَّدَ الأَبعاد بدأت خلقتُه من عنصرٍ ترابّیٍ عدیم الإِدراکِ و الشعورِ و یتحوّل ـ بعد طیّ مراحلِ التکامل ـ إلی ضورة کائنٍ أسمی من المادة.

و لقد وُصفَت خلقة الإنسان فی القرآن الکریم علی النحو الآتی:

(ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةََ عَلَقََةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقََةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظًَماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلًْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ. ثُمَّ إِنّکُمْ بَعْدَ ذَلِکَ لَمَیِّتُونَ . ثُمّ إِنّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ تُبْعَثُونَ. وَ لَقََدْ خَلَقْنَا فَوْقَکُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَ مَا کُنّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلینَ).(1)

فی هذه الآیة ـ بعد استعراض مراحل التکامل المادّی، و بلوغ مرحلة الإِستعداد لقبول الروح المجرّدة ـ جاءَت العبارة التالَیة: (ثُمّ أَنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ) حیث وصفَ الخَلقُ الجدیدُ بأنه خلقُ آخر، و بهذا یغیّر السیاق و یَدَلْ کلمِة (خلقناه) یستعمل لفظة و «انشأناه» و بهذا الطریق یشیر إلی أنّ آخر مرحلة فی خلقة الإنسان تختلف عن المراحلِ السابقة.

من هذا یستفاد أن آخر مرحلة من مراحل وجود الإِنسان أی الصورة و النفس الإنسانیة هی أسمی و أکمل من مراحل الوجود الإِنسانی السابقة، و هذا هو الموضوع الذی تَمَّ إثباته فی الفلسفة، إذ ثبت فیها أنّ النفس و الروح الإِنسانیة کائنٌ مجرّد عن المادة و آثارها.

إنّ هذا الأمر مهمٌ و عجیبٌ جداً أن تتحوَّلَ الصورة المادیةُ ـ علی أثر الحرکة الجوهریة ـ إلی أمر مجرّدٍ ملکوتیّ، و لهذا امتدح اللهُ سبحانه فعله المهمَّ هذا إذ قال فی ذیل الآیة: (فَتَبارَکَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِیْنَ).

و فی آیة اخری أیضاً یشرح قصة خلق الإنسان علی النحو التالی:

(الّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْ‏ءٍ خَلَقََهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ اْلإِنْسانِ مِنْ طِینٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مآءٍ مَهِینٍ . ثُمَّ سَوّاهُ وَ نَفَخَ فِیهِ مِنْ رُوحِهِ وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ اْلأَبْصارَ وَ اْلأَفْئِدَةَ قَلِیلاً ما تَشْکُرُونَ).(2)

فی الآیات المذکورة أشارَ سبحانه إلی ثلاث نقاط:

النقطة الاُولی: انّه لا بدّ ـ لنفخ الرُوح الإِنسانیة ـ من حصول القابلیّة و الإِستعداد فی المادة، و لهذا جاء فی الآیة: (ثُمّ سَوّاهُ وَ نَفَخَ فیهِ مِنْ رُوحِهِ).

النقطة الثانیة: أنّ الله تعالی نسَبَ الروح الإنسانیة إلی نفسه، و قال: (وَ نَفَخَ فیهِ مِنْ رُوحِهِ)، و ذلک لأجل أن یُثبتَ قیمته العلیا، یعنی أنّ الله سبحانه بعد أن هیّأ مادة البدن الإِنسانی أفاض علیه الروحَ التی نسبَها إلی نفسه و التی کانت من سِنخ العالَم الربوبی.

 

النقطة الثالثة: انّ من إِمتیازات هذا الکائن الجدید هو أنه یمتلک السمعَ و البصرَ و القلبَ یعنی اسباب تحصیل العلم، و بذلک یختلف عن المراحل السابقة.

و فی آیة اُخری أیضاً یشیر إلی النقطتین الاُولی و الثانیة و یقول للملائکة:

(فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدیِنَ).(3)

هذا مضافاً إلی أنه فَرَّعَ الأَمرَ للمَلائکةِ بالسُجودِ علی تسویة عُنصر البدن الإِنسانّی و نفخِ الروح المنسوبة إلی الله فیه، وهو شاهد علی إمتیاز الوجود الإِنسانی، لأنّه کانَ بحیث صارَ مؤهّلاً ولائقاً لأنْ یصیر مسجوداض للملائکة، و خلیفةً لله فی الأرض، له فطرة تنجذبُ إلی الله و إلی الکمال و تحبّهما.

یقولُ فی القرآن الکریم:

(وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْنهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَهُمْ مِنَ الطّیِّبتِ وَ فَضّلْنهُمْ عَلى‏ کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً).(4)

و یقولُ:

(وَ عَلّمَ آدَمَ اْلأَسْمَآءَ کُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِکَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونی بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقینَ . قالُوا سُبْحانَکَ لا عِلْمَ لَنَآ إِلاّ مَا عَلّمْتَنآ إِنّکَ أَنْتَ الْعَلِیمُ الْحَکِیمُ . قالَ یَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمآئِهِِمْ فَلَمّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَکُمْ إِنّیِ أَعْلَمُ غَیْبَ السَّماواتِ وَ اْلأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ مَا کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ).(5)

و یقولُ:

(وَ إِذْ قالَ رَبّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنّی جَاعِلٌ فِی اْلأَرْضِ خَلیفَةً قَالُوا أَ تَجْعَلُ فِیَها مَنْ یُفْسِدُ فِیَها وَ یَسْفِکُ الدِّمَآءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَ نُقَدِّسُ لَکَ قالَ إِنّی أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).(6)

و یقولُ:

(فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً فِطْرَتَ اللّهِ الّتی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذَلِکَ الدِِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ).(7)

و من جانب آخر ذمَّ هذا الإِنسان نفسَه .. هذا الإِنسان الضعیف، و البخیل، الظالم، الجاهل، و الکفور، المشدود إلی متاع الدنیا، الطاغی، العجول، المغرور .. و ..و .

یقول فی القرآن:

(إِنَّ اْلإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرَّ جَزُوعًا . وَ إِذَا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعًا).(8)

و یقول:

(وَ خُلِقَ اْلإِنْسانُ ضَعِیفًا).(9)

و یقول:

(کَلاّ إِنَّ اْلإِنْسَانَ لَیَطْغى .‏ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى‏).(10)

و یقول:

(وَ یَدْعُ اْلإِنْسَانُ بِالشّرِّ دُعاءَهُ بِِالْخَیْرِ وَ کَانَ اْلإِنْسَانُ عَجُولاً).(11)

و یقول:

 

(وَ آتاکُمْ مِنْ کُلّ‏ِِ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اْلإِنْسَانَ لَظَلُومٌ کَفّارٌ).(12)

و یقول:

(وَ لَئِنْ أَذَقْنَا اْلإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَیَؤُسٌ کَفُورٌ).(13)

و یقول:

(وَ لَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسّتْهُ لَیَقُولَنَّ ذَهَبَ السّیِّئاتُ عَنّیِ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ).(14)

و یقول:

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِکُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّیِ إِذًا َلأَمْسَکْتُمْ خَشْیَةََ اْلإِنْفَاقِ وَ کانَ اْلإِنْسَانُ قَتُورًا).(15)

لقد وُصِفَ الإِنسان فی القرآن الکریم ـ کما تلاحظون بنحوین متضادّین .. و الآن ینطرح هذا السؤال وهو:

ما هی حقیقة الإِنسان؟ و کیف یمکن أن نجمعَ بین هذین الصنفین من الآیات؟

إذا کانت فطرة الإنسان مبنیّة علی التوحید و الانجذاب إلی الله، و کان طالباً للخیر، و البر و الاحسان، و باحثاً عن مکارم الأخلاق و راغباً فیها ذاتیاً، فلماذا وُصِف بانه کفورٌ و ظلومٌ و فخورٌ، و یئوسٌ و جهولٌ، و حریصٌ و منوعٌ و جزوعٌ، و عجولٌ، وطاغ.

و اذا کان یمیل إلی الشرور و القبائح ذاتاً فلماذا وُصِف بانه مکرّم، و انه محبُ للمعرفة الدینیة و منجذبٌ إلی الله، و الکمال، و أنه بالتالی خلیفة الله؟

فی الجمع بین هذه الآیات و الأحادیث یمکن أن یقال: بأن الإنسان کائنٌ ذو فطرتین بمرتبتین وجودیّتین. نصفُ تلک الفطرة من النور و نصفُها الآخر من الظلمة، و مع أنه لیس سوی حقیقة واحدة ولکنه من ناحیةٍ حیوان، اُودِعَت المیول و النزعات الحیوانیة فی کیانه و وجوده، و تنبع الشرور و الآثام من جانبه الحیوانی هذا و لهذا یتعرض للذمّ و یوصف بتلک الصفات الذمیمة.

و من ناحیة اُخری هو إنسان ذو نفس مجرّدة ملکوتیة، وهو نفحةٌ إلهیةٌ مسانِخةٌ لعالَم القدس و مناسبة لمنبع الخیرات، و من هذا الجانب یمیل إلی الکمال و یرغب فی الفضائل و المکارم، و الخیرات، و من هذه الجهة کُرّم و تأهَّلَ لیکون خلیفةَ الله، و مسجود الملائکة.

و علی هذا الأساس لا یکونُ بین هذا القبیل من الآیات و الأحادیث أیّ تناقض، و تضارب.


فَکّرِوا و أجیبوا

1ـ من أین بدأ خلق الإِنسان و ما هی آخر مراحله الوجودیة؟

2ـ لماذ قیل فی خلق الإنسان: ثم أنشأناه خلقاً آخر؟

3ـ لماذا قیل فی شأن الإِنسان: و نفح فیه من روحه؟

4ـ بماذا تأهَّل الإنسانُ لیکون مسجوداً للملائکة؟

5ـ کیف وُصِف الإِنسانُ فی الآیات القرآنیة؟

6ـ کیف یمکن الجمع بین الآیات المذکورة؟

 

 

1 ـ المؤمنون ـ 14/ 17.
2 ـ السجدة ـ 7/9.
3 ـ الحجر ـ 29.
4 ـ الاسراء ـ 70.
5 ـ البقرة ـ 31 ـ 33.
6 ـ البقرة ـ 30.
7 ـ الروم ـ 30.
8 ـ المعارج ـ 19.
9 ـ النساء ـ 28.
10 ـ العلق ـ 6.
11 ـ الاسراء ـ 11.
12 ـ ابراهیم ـ34.
13 ـ هود ـ 10.
14 ـ هود ـ 9.
15 ـ الاسراء ـ 100.