پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس التاسع و الستون النفقة و فلسفتها

 الدرس التاسع و الستون
النفقة و فلسفتها

حسب نظر الإسلام جعلت مسؤولیة الإنفاق علی العائلة، و بخاصة الزوجة، علی عاتق الرجل.

فعلی الرجل (الزوج) أن یقوم بجمیع نفقات زوجته و إن کانت أغنی و أکبر ثراءً من زوجها .. فالنفقة من حقوق الزوجة، و من بدیهیات الفقه الإسلامی التی جاء التصریح به فی أحادیث، و علی سبیل المثال:

قال أبو بصیر سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: من کانت عنده إمرأة فلم یُکسِها ما یُوارِی عَورَتَها، و یُطعُمها ما یُقیِمُ صُلبَها کانَ حقّاً علی الإمامِ أن یُفَربِّقَ بَینَهما.(1)

و عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبی عبدالله علیه السلام ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسناً؟

قال: یُشبِعُها و یکسُوها و إن جَهِلَت غَفَرَ لها.(2)
 

یجب علی الرجل أن یقوم برفع جمیع إحتیاجات زوجته بصورة متعارفة، و وفقاً لما هو العادة فی زمانه و مکانه مع رعایة شؤون العائلة، و امکانیاتها الاقتصادیة.

و یمکن تقسیم النفقة إلی عدة طوائف:

1ـ الطعام بمقدار الحاجة و حسب العرف.

2ـ اللباس طبقاً لشؤون العائلة جنساً و مقداراً.

3ـ الفراش و وسائل الإستراحة و النوم.

4ـ الأدوات المنزلیة و الأثاث البیتی.

5ـ وسائل التدفئة و التبرید.

6ـ المسکن ولو بالإستیجار شریطة أن تکون مناسبةً لشأنها العائلی، و أن تضمن راحتها.

7ـ نفقات الصحة و العلاج.

8ـ وسائل النظافة و التجمیل.

إن نفقة الزوجة حق یجب أداؤه إلیها و اذا امتنع الرجل (الزوج) عن أدائه بقی دیناً فی ذمته یجب أداؤه عند المطالبة به، إلا أن تتنازل عنه الزوجة،‌و تبریء منه ذمته.

اشکال و جواب:

لقد انتقد البعض مسألة النفقة فقالوا: لقد حقّر الإسلام المرأة بتشریعه هذا الحکم (ای وجوب الإنفاق من جانب الزوج علی الزوجة) إذ یعنی هذا أن المرأة مستخدمة أجیرة تعمل فی البیت، و تخدم زوجها لیل نهار ثم تتلقّی أجرها من الرجل.

یقال فی الجواب علی هذا الاشکال: إنّ هذا الإشکال لا وجه له أبداً، وهو یحکی عن جهل صاحبه و عناده، إذ حسب المقررات الإسلامیة لم توضع علی عاتق المرأة أیة مسؤولیة قط حتی حضانة طفلها و رضاعه و رعایته، فانه یمکنها أن لا تقوم بأی عمل من الأعمال المنزلیة بل و تطلب من زوجها ان یأتی لها بخادمة، و یمکنها ان تطالب بأجرة القیام بالاعمال المنزلیة بل و حتی إرضاع الطفل، و مع أنه لیس علیها مسؤولیة العمل فی البیت فان علی الرجل ان یقوم بجمیع نفقاتها.

و مع ملاحظة جمیع هذه الامور کیف یمکن أن یقول أحد ان الإسلام اعتبر الزوجة خادمة و جعل النفقة أجرها.

 

فلسفة تشریع النفقة:

وهنا ینطرح السؤال التالی وهو: ما دام الرجل و المرأة یتساویان فی احتیاج کل واحدٍ منهما إلی الآخر فی مجال الزواج و تولید النسل و تربیته و تنشئته فلما ذا ولأی سبب جعل الإسلام جمیع نفقات المرأة و مصارفها علی عاتق الرجل؟

لماذا جعل المرأة تابعةً للرجل فی الامور الإقتصادیة و ألغی إستقلالها فی هذا المجال؟

ألم یکن من الأفضل أن یتمتع کل واحدٍ منهما (الزوج و الزوجة) بالإستقلال الاقتصادیّ، یعملان معاً، و یوفّران مستلزمات الحیاة و نفقاتها معاً؟

فی الاجابة علی هذا الإشکال یمکن أن یقال: إن الإسلام فی تشریعه للقوانین المرتبطة بالزواج و حقوق الزوجین راعی سعادة المرأة و الرجل و الأولاد و بالتالی سعادة البشر أجمعین، ولم یدافع عن أحد اعتباطاً.

فاذا هو وضع نفقات المرأة علی عاتق الرجل، فانه ولا شک راعی مصلحة الزوجین حتماً.

إن الإسلام رأی أن مصلحة العائلة هی فی أن لا تلزم المرأة (الزوجة)بالسعی و العمل و الرکض وراء لقمة العیش والکد و الکدح لتحصیل المال لتأمین احتیاجات المعیشة، و الإشتغال بالأعمال الثقیلة و لهذا جعل مسؤولیة توفیر جمیع نفقات المعیشة و کان نفقات المرأه الشخصیة علی عاتق الرجل.

یجب البحث عن فلسفة تشریح النفقة فی ترکیب المرأة الخاص، و فی المسؤولیات التی جعلتها الطبیعة علی عاتقها.

إن ترکیب المرأة الجسدی، و قوّتها البدنیة و مسؤولیاتها الطبیعیة لا تناسب الکدّ و الکدح و العمل و السعی من أجل الکسب، و القیام بالأعمال المضنیة و الثقیلة، لأن مسؤولیّة تولید الأولاد الثقیلة و مسؤولیة تربیة الأولاد المباهضة قد جعلت علی عاتق المرأة بحکم الطبیعة.

إن المرأة مضطرة إلی أن تتحمل مشاکل العادة الشهریة، و متاعب فترة الحمل و الأمراض الناشئة من ذلک، و صعوبات المخاض و الولادة..

إن علیها أن تغذی ولیدها من لبنها الذی هو عصارة وجودها، و تقوم بحضانته و رعایته بصعوبة کبیرة.

إنّ مسؤولیة المحافظة علی الطفل و حضانته و مراقبته غالبا مّا توضع علی عاتق المرأة.

و مع الأخذ بنظر الاعتبار کل هذه المشاکل و المسؤولیات کیف یمکن أن تشتغل المرأة بالکسب و العمل و تصرف طاقتها فی سبیل لقمة العیش و توفیر مستلزمات الحیاة و نفقاتها.

هذا مضافاً إلی أنّ المرأة من الناحیة الجسدیة اکثر ظرافةً و لطافةً من الرجل و علی أثر هذه اللطافة و الجمال استطاعت أن تجتذب الرجل و تستحوذ علی قلبه، و إنما تستطیع المرأة أن تحافظ علی مکانتها فی قلب الرجل إذا هی حافظت علی طراوتها و جمالها، و مثل هذا لا یتیسّر غالباً مع الکدّ و الکدح، و العمل الدؤوب من أجل توفیر لوازم الحیاة، و الرکض وراء لقمة العیش.

بناء علی هذا فانّ مصلحة المرأة و الرجل و الأولاد و الأسرة تقتضی أن تعفی المرأة (الام) من الکد و الکدح، و السعی و العمل الإجباریین لتحصیل لقمة العیش.

و لهذا حرّر الإسلام المرأة من ثقل و عبء توفیر نفقات العیش، و جعل نفقتها علی کاهل الرجل حتی تستطیع المرأة و بفراغ بالٍ و هدوء خاطرٍ أن تعمد إلی تربیة اولادها، و تحوّل البیت إلی کهف آمنٍ، و ملجأٍ دافیءٍ، و متنزّه ودیع تنسی فیها الهموم و المتاعب، و أن تحافظ من خلال الحفاظ علی طراوتها و جمالها علی مکانتها فی قلب الرجل (الزوج).

النقطة الثانیة: التی یمکن الاشارة الیها فی فلسفة تشریع النفقة هی: أن ما تقتضیه طبیعة الرجل الخاصّة هو الطلب، یعنی طلب المرأة .. إن الرجل بطبیعته یطلب المرأة و یهواها و یریدها .. فهو الذی یجری وراء المرأة و یخطبها .. ویعلم أنه لا ید للوصول إلیها من أن ینفق و یبذل و یضمن لها حوائجها و یوفر مستلزمات معیشتها.

إنه بضمان المسکن و الغذاء و اللباس و سائر الاحتیاجات لها یظهر ودّه لها و تعلّقه بها،و یخطب ودّها و یمتلک قلبها.

الفائدة الثالثة لتشریع النفقة: هی أنّ النفقة مفیدة فی صعید تقویة صرح الاسرة و دعم اسسها.

إنّ من مصلحة الاسرة أن تکون مرتبطة من الناحیة الاقتصادیة بالرجل، لأنّ خلقة الرجل و ترکیبه بحیث أن یحتاج من الجوانب الجنسیة، ولا جل تحصیل محطة حب و انس إلی المرأة بشدة، کما و أن الحیاة بصورةٍ منفرده عذاب ألیم، و الرجل لا یمکنه أن یکتم هذه الحاجة .. و إن المرأة تدرک هذا الموضوع کاملاً، و تستغله و تستفید منه ...

فاذا کانت المرأة مستقلة هی الاخری من الناحیة الاقتصادیة استقلالاً کاملاً، و کانت بحیث لم تعد تشعر بالحاجة إلی الرجل تلاشت الاسرة ـ علی الأغلب ـ و تکدّرت أجواءها ولا شک. ان مثل هذا الوضع یکون مضرّاً بالرجل بل و یکون مضراً

بالمرأة و الأولاد و المجتمع جمیعاً.

و فی الخاتمة، أری من الضروریّ التذکیر بهذه النقطة وهی أنّ الإسلام بتشریعه للمهر و النفقة لم یرد أن ینتزع جمیع المسؤولیات الإجتماعیّة من المرأة، و یجعلها جلیسة البیت، و عنصراً مستهلکاً، بل إن المرأة ـ و کما أسلفنا ـ هی الاخری عضو معترف به من أعضاء المجتمع لها مسؤولیات یجب أن تقوم بها .. و إنّ نفقة المرأة و إن وضعت برمتها علی عاتق الرجل، ولم تکن المرأة ملزمةً بالعمل و الکسب لتأمین إحتیاجات المعیشة، إلّا أنه لا یجوز أن تقضی کل حیاتها بالبطالة و الفراغ.

إن المرأة المسلمة تعلم أن إدارة الحیاة أمر صعب لا یمکن أن یتحقق من دون التعاون بین الزوج و الزوجة، فهی تتفاهم مع زوجها، و تتکفل القیام بمسؤولیات و اشغالٍ خاصّةٍ مع مراعاة ظروفها و أوضاعها العائلیة الخاصّة، سواء داخل البیت أو خارجه.

ولو أنّها حصلت من هذا الطریق علی مدخول فانه و إن کان ملکاً شخصیّاً لها إلّا أنها تقدّمه علی طبقٍ من الاخلاص و الحب إلی زوجها، و بهذا تزید من المحبة و الصفاء الزوجیین.


فکّروا و أجیبوا:

1ـ ما هی نفقات المرأة الواجبة؟

2ـ هل الإسلام حقر المرأة بتشریع الهر للمرأة؟ و لماذا؟

3ـ ما هی فلسفة تشریع النفقة؟

4ـ بیّنوا الفائدة الثانیة للنفقة؟

5ـ ما هی الفائدة الثالثة للنفقة؟

6ـ ماهی وظیفة المرأة فی العائلة؟

 

1 ـ الوسائل ج 15 ص 223.
2 ـ الوسائل ج 15 ص 224.