پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثامن و الستون المهر و فلسفته

 الدرس الثامن و الستون
المهر و فلسفته

عند الزواج یجب أن یقدّم الرجل (الزوج) شیئاً إلی زوجته، وهو ما اصطلح علیه المهر و الصداق.

ان لفظة «المهر» لم ترد فی القرآن الکریم ولکن کلمة الصداق استعملت فیه.

یقول فی القرآن الکریم: (وَ آتُوْا النِّسَاءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَیْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَکُلُوهُ هَنِئاً مَّرْیئاً ).(1)

وقد جاء فی الأحادیث التأکید علی وجوب المهر فی النکاح أیضاً:

فعن أبی عبدالله علیه السلام فی المرأة تَهَبُ نفَسها للرّجل ینکَحُها بغیرٍ مَهرٍ، فقال: إنّما کان هذا للنبی(ص) و أمّا لغیره فلا یصلح هذا حتی یعوّضها شیئاً یقدّم إلیها قلّ أو کثر، ولو ثوب أو درهم، و قال: یُجزی الدرهم.(2)

إذن فیجب أن یعطی شیء إلی المرأة عند نکاحها و التزویج بها، ولو أنّه عیّن ذلک المهر جنساً و قدراً وجب إعطاؤه کما عیّن وحدّد. و امّا إذا لم یعیّن المهر جنساً و قدراً وجب إعطاء مهر المثل إلی المرأة، وهو ما یکون عادة مهر نظرائها من فتیات المجتمع التی تعیش فیه و نساؤه.

ثم إنّ فی مجال المهر اعتراضاً لابدّ أن نجیب علیه و تعالجه؛ فانه یمکن أن یقول قائل: ان مکانة المرأة و قدرها قد حطّا ـ بتشریع المهر ـ و انزلت إلی مستوی البضاعة التی تباع و تشتری، و هذا نوع من التحقیر لها، لأنّ الرجل و المرأة ـ فی مجال النکاح ـ یحتاج أحدهما إلی الآخر حاجة طبیعیة، فلابد أن یتحقق النکاح و الزواج بینهما علی أساس هذه الحاجة الطبیعیة المتقابلة لا أن یعطی الرجل للمرأة شیئاً ثم یتملّکها.

فی الإجابة علی هذا الإعتراض (أو الإشکال) یمکن أن یقال: إنّ المهر ـ حسب نظر الإسلام ـ لیس ثمن المعاملة، و لیست المرأة بضاعة تباع و تشتری، إنّما المهر هدیّة یقدمّها الرجل (الزوج) لزوجته، و بذلک یجسّد إحترامه لها، و یکرّم شخصیّتها.

فی فلسفة تشریع المهر لابدّ من الاشارة إلی نقطتین:

النقطة الاولی: إنّ المرأة و الرجل و إن کان أحدهما یحتاج إلی الآخر حاجةً طبیعیةً و ینجذب أحدهما إلی الآخرة بسبب الغریزة الجنسیة، إلّا أنّ الجذب و الإنجذاب ینشئان من خصیصتین، و یتحقّقان بطریقین:

فمن جانبٍ إنّ المرأة کائن لطیف جمیل تنطوی علی جاذبیة تسحر الرجل و تجذبه.

إن المرأة هی کذلک تملک غریزةً جنسیةً ولکنها أقدر من الرجل علی مقاومتها لکنها ترید حب الرجل لها.

إن المرأة ادرکت بوحیٍ من الفطرة أنّ أفضل وسیلةٍ للنفوذ إلی قلب الرجل و امتلاکه هو أن تتجمل و تتزین و تتظاهر بذلک حتی تتسحوذ علی قلب الرجل، و تملک عواطفه، ولا تسلّم نفسها إلیه بسهولة و بصورة مجانیة.

 

من جانب آخر إن الرجل طالب و مرید، و هو ضعیف أمام القوة الجنسیة .. إنه یخطب امرأة‌ لیتزوج بها.

إن الرجل أدرک هو الآخر أنّ المرأة ترید حبه لها و لهذا فهو یظهر حبّه لها، و یتحمّل دلالها، ولکی یثبت مدی حبه لها و مبلغ تعلّقه بها، یستفید من کلّ وسیلةٍ ممکنةٍ .. هنا بالذات ینطرح موضوع المهر.

إنّ الرجل لاثبات صدقه و وفائه، و بغیة تکریم شخصّیة زوجته یقدم لها شیئاً کهدیة.

و لهذا فان المهر ـ هو فی الحقیقة ـ هدیّة من جانب الرجل (الزوج) إلی زوجته لیدلّل بذلک علی صدقه فی حبه لها، و یثبت وفائه و مخفیّ تعلّقه بها.

و لهذا عبر عن المهر فی القرآن الکریم بلفظة «الصدقات» کما و صرح القرآن بلفظة «نحلة» التی تعنی فی اللغة الهدیة و العطیّة.

النقطة الثانیة: فی تشریع المهر هناک فلسفة اخری أیضاً، وهی أن المهر وسیلة لایجاد الأرضیّة المناسبة لاطمئنان المرأة إلی أنها قادرة علی أن تقوم بالوظائف التی ألقتها الخلیفه علی کاهلها.

إن الحیاة العائلیه، و مسوؤلیة تربیة الأولاد و إن کانت مسألة مشترکة بین المرأة و الرجل، إلّا أن لکلّ واحد منهما ترکیباً خاصاً یفرض علیه مسؤولیة طبیعیة خاصة و تطلب منه دوراً مخصوصاً.

إن الرجل بمثابة الزارع، و المرأة بمثابة المزرعة فالرجل یغرس نطفة الولد فی رحم المرأة، ثمّ ینتهی دوره عند هذا الحد، فان الطبیعة لم تضع علی کاهله وظیفة اخری وراء ذلک .. فهو بعد هذا یتخلی عملیاً عن القیام بأیة مسؤولیة تجاه الولد، فهو یترک الولد بعد الانتهاء من مهمته و فی مرحلة التخلّق و التکوّن و الترعرع و النمو، فی حین تبدأ مسؤولیة المرأة ـ الطبیعیة من ذلک الزمان بالذات، فهی بحسب ترکیبها الخاصّ مضطرّة إلی أن تتحمل فترة الحمل المضنیة، و مرحلة المخاض الشاقة، و ما ینشأ عن ذلک من الآلام و الأتعاب اللاحقة.

ونظراً إلی عاطفة الامومة الشدیدة فانّها مضطرة إلی أن تقوم بتغذیة ولیدها الضعیف طوال مدة سنتین، و تجتهد فی حفظه و رعایته.

و حتی بعد هذه الفترة لا تتحمّل الام فی الأغلب مفارقة ولدها، فهی مضطرة إلی أن تجتهد فی المحافظة علیه و تربیته، و ان کان الرجل یشارکها فی هذه المسؤولیة شرعاً، و وجداناً، إلّا أنه بحسب الطبیعة اکثر تحرراً منها، ولیس له ما للمرأة من الإلتزام و التقیّد الطبیعین.

وعلی هذا الأساس لابدّ أن تتوفر للمرأة‌ـ استعداداً لتحمّل هذه المسؤولیات الصعبة ـ راحة البال، و سکون الخاطر، و طمانینة النفس.

إن تشریع المهر إنما هو لأجل توفیر ضمانٍ نسبیّ، و إیجاد أرضیّةٍ مناسبةٍ لمثل هذا الأمر.

إنّ المرأة بواسطة المهر الذی یقدمه إلیها زوجها، تهیّیء لنفسها لوازم الحیاة و حاجاتها، و یحصل لدیها الإطمئنان إلی أنها إذا حبلت فإن فی مقدورها أن تواصل حیاتها فی بیئةٍ آمنةٍ، و تقوم بواجباتها و وظائفها الجدیدة التی وضعت علی عاتقها، و تقوم بحضانة ولیدها و تربیتها.

وقد أشیر إلی هذه الفلسفة أیضاً فی الأحادیث:

عن الصادق علیه السلام قال: إنما صَار الصَداق علی الرَجُل دونَ المرأة و إن کانَ فِعُلهما واحِداً لأنّ الرجلَ إذا قضی حاجَتَه منها قام عنها ولم ینَتظِر فراغَها، فصارَ الصَداق علیه دونَها لذلک.(3)

 


مقدار المهر و نوعه:

فی الإسلام لم یعیّن قدر للمهر، بل هو یرتبط باتفاق المرأة و الرجل و تراضیهما.

قال أبو جعفر علیه السلام: الصداق ما تراضیا علیه من قلیلٍ أو کثیرٍ، فهذا الصداق.(4)

ولکن ورد التأکید فی الأحادیث علی أن لا یکون المهر قلیلاً جداً.

عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن علیّ علیهم السلام قال: إنی أکره أن یکون المهر اقلّ من عشرة دراهم لئلا یشبه مهر البغیّ.(5)

کما ولم یعیّن مقدار لأعلی قدر للمهر أیضاً، فهو جائز مهما کان کثیراً و عالیاً، ولکن الإسلام لا یعتبر السباق فی المهور، و التنافس فیها برفع مقدارها فی مصلحة المجتمع، و نهی عن ذلک.

عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: لا تغالوا بمهور النساء فتکون عداوةً.(6)

صحیح أن الإسلام أوجب أصل المهر إلّا أن قیمة المرأة لیست بمقدار المهر فیجب أن لا یتشدّد و یصعّب فی قدر المهر ولا یبالغ فیه بحیث یصبح الزواج للشباب أمراً محالاً.

عند تعیین مقدار المهر ینبغی أن تراعی الشخصیة الإجتماعیة لأهل العروس و العریس، و ینجنّب الإفراط و التفریط.

 

و عند اختیار جنس المهر کذلک لیس هناک أیّ تحدید، بل یمکن أن یکون المهر کل شیء قابلٍ للتملّک، و کل شیء له مالیّة، مثل: الذهب، الفضة، العقارات، النقود الرائجة، الأثاث و اللوازم البیتیة، الفرش، الآنیة، السیارة، بل وحتی الإلتزام بالقیام بعمل و أمثال ذلک ... فکل هذه الأمور و الاشیاء تصلح أن تکون المهر الّذی یقدمه الرجل للمرأة.

ولکن من مصلحة المرأة (الزوجة) أن یکون مهرها العقار أو الذهب أو الفضة أو ما یشبه ذلک إن أمکن لیبقی لها ولا یفنی، ولکی لا تقلّ قیمته الشرائیة مع مرور الزمان.

إن المهر کما یمکن أن یکون نقداً، یمکن أیضاً ان یکون نسیئة و دیناً فی ذمة الزوج او شخص آخر .. و هذا یرتبط برضا الزوجین .. فاذا إتفقا علی أن یکون المهر نقداً جاز للمرأة أن تطالب به قبل الدخول بها، و علی الزوج أن یدفعه إلیها إن أمکنه ذلک، و إذا لم یکن له دفعه لعلةٍ أو امتنع عن دفعه جاز للمرأة ان تمتنع من تمکین نفسها له، و ان عدم التمکین هذا لا یکون سبباً للنشوز و سقوط النفقة.

و إذا کان المهر نسیئة، و دیناً فی ذمّة الزوج فان کان موجّلاً بأجل أی له موعد معیّن لم یحق للمرأه (الزوجة) أن تطالب به قبل حلول الأجل المسمّی.

و إن لم یکن له موعد معیّن وجب علی الزوج دفعه للمرأه متی ما طالبت به، إذا أمکن ذلک للرجل.

ثم إنّه بعد الانتهاء من إجراء صیغة العقد تتعلق ملکیّة الزوجة بالمهر یعنی إنها تملکه، فاذا کان المهر عقاراً أو نقوداً وجب علی الزوج إعطاؤه إلیها، لا یحق لأحد حتّی الأبّ و الأم أن یتصرّف فی ذلک المال أو العقار من دون إذن الزوجة.

علی أن منافع المهر تعود إلی المرأة أیضاً.

قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: إنّ الله لیغفر کل ذنبٍ یوم القیامة إلّا مهر امرأة، و من اغتصب اجیراً أجره و من باع حرّاً.(7)

و عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر قال: سأل أبو الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یزوجّ ابنته أله أن یاکل صداقها؟ قال: لا، لیس ذلک له.(8)

و إذا کان المهر نسیئةً و فی ذمّة الزوج کان دیناً حقیقیاً یجب دفعه عند المطالبة به، شأنه شأن سائر الدیون الحقیقیة.

عن فضیل بن یسار عن أبی عبدالله علیه السلام فی الرجل یتزوَّج المرأةَ ولا یجَعلُ فی نفسه أن یعُطیَها مهرَها فَهُوَ زِناً.(9)

و عن أبی عبدالله علیه السلام قال: من أمهر مهراً ثم لا ینوی قضاءه کان بمنزلة السارقِ.(10)

و عن الصادق عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلّی الله علیه و آله (فی حدیث المناهی) قال: مَن ظَلَمَ امرأةً مهرَها فهو عِند الله زان، یقولُ الله عزّوجلّ یومَ القیامة: عَبدِی زَوّجتُکَ أمَتی علی عَهدِی فلم توفِ بِعَهدِی وَ ظَلمَت أمّتی فیؤخَذُ من حُسَناتِهِ فَیُدفَع إلیها بقَدر حاجتِها، فإذا لم تَبقَ له حَسَنَة اُمِرَ به إلی النار بِنَکثِه لِلعَهِد إنَ العَهدَ کانَ مَسؤُولاً.(11)

 


فکّروا و أجیبوا:

1ـ ما هی الفلسفة الأولی لتشریع المهر؟

2ـ ما هی الفلسفة الثانیة لتشریع المهر؟

3ـ هل هناک حدّ معین للمهر فی الإسلام؟

4ـ ما هی توصیة الإسلام فی مجال المهر؟

5ـ ما هی الأشیاء التی یمکن جعلها مهراً؟

6ـ متی یجب دفع المهر؟

7ـ لمن تعود منافع المهر؟

 

 

1 ـ النساء 4.
2 ـ الوسائل ج 15 ص 13.
3 ـ الوسائل ج 15 ص 23.
4 ـ الوسائل ج 15 ص 2.
5 ـ الوسائل ج 15 ص 11.
6 ـ الوسائل ج 15 ص 11.
7 ـ الوسائل ج 15 ص 22.
8 ـ الوسائل ج 15 ص 26.
9 ـ الوسائل ج 15 ص 21.
10 ـ الوسائل ج 15 ص 21.
11 ـ الوسائل ج 15 ص 22.