پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس السابع و الاربعون - العقل

 الدرس السابع و الاربعون
العقل

یعدّ العقل ـ هو الآخر ـ من منابع المعارف و الإحکام الإسلامیة، و أدلتها ..

ان للعقل ـ من دون ریب ـ إستقلالاً فی ادراک بعض القضایا و الأمور، فهو یصدر فیها حکماً قطعیاً مثل: إمتناع اجتماع النقیضین، و ارتفاع النقیضین، و امتناع اجتماع الضدّین فی موضوع واحد و زمان واحد .. و غیر ذلک من القضایا العقلیة البدیهیة التی تسمی بـ «الأولیّات».

و کذا مثل الحکم بأن کل ممکنٍ مرتبط بعلة..

إن العقل ربّما یتوصّل ـ من خلال عملیة التفکیر و الاستدلال و البرهنة ای ترتیب الصغری و الکبری، و تشکیل قیاس منطقیٍ ـ إلی نتیجة قطعیّة لا یشکّ فی حجیتها و اعتبارها.

إنّ الحیاة الإنسانیة الیومیّة تقوم أساساً علی هذه المدرکات و القضایا العقلیة، التی من دون القبول بها لا یمکن القیام بأی عمل، حتی استخدم الحواس و التجربة ـ، لأنّ الإنسان بعد أن یعترف بمبدأ «العلیة» یعمد إلی التجربة، و یواصلها، فهو حینما یعترف مثلا ـ بتأثیر الماء فی رفع العطش یعمد إلی تحصیل الماء عندما یتعرض للعطش.

وهذا ینطلق من قانون العلیة الذی یقضی به العقل نفسه.

و من هنا فان حجّیة الدلیل العقلیّ أمر مسلّم و مسألة بدیهیة، لا تحتاج إلی الاستدلال و البرهنه.

ولقد اعترف القرآن الکریم أیضاً بکون العقل کاشفاً قطعیاً عن الحقائق و الواقعیات.

إن القرآن لا یقول: إقبلوا بالعقائد و المعارف الدینیة من دون دلیل قط، بل یطلب من الناس أن یستخدموا عقولهم، و یتوصلوا إلی الحقیقة و الواقع بالتفکیر و الاستدلال، و یؤمنوا عن یقین.

إنّ القرآن الکریم یدعو الناس ـ فی آیات عدیدة ـ إلی التعقل، و التدبر، و التفکر، و التفقه. و نشیر إلی طائفة من هذه الآیات علی سبیل المثال:

(إِنَّ فِی خَلْقِ السّماواتِ وَ اْلأَرْضِ وَ اخْتِلافِ الّیْلِ وَ النّهَارِ وَ الْفُلْکِ الّتی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما یَنْفَعُ النّاسَ وَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَّاءٍ فَأَحْیَا بِهِ اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِیهَا مِنْ کُلِّ‏ِ دَابَّةٍ وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ وَ السَّحَابِ الْمُسَخّرِ بَیْنَ السّمَاءِ وَ اْلأَرْضِ َلآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ).(1)

(وَ هُوَ الّذِی أَنْشَأَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ اْلأَبْصَارَ وَ اْلأَفْئِدَةَ قَلِیلاً مَّا تَشْکُرُونَ . وَ هُوَ الّذی ذَرَأَکُمْ فِی اْلأَرْضِ وَ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ . وَ هُوَ الّذِی یُحْیی وَ یُمِیتُ وَ لَهُ اخْتِلافُ اللّیْلِ وَ النّهَارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ).(2)

و عشرات الاخری مثل هذه الآیات:

وفی أحادیث عدیدة وصف العقل بالحجیة ایضاً، و اوصی بالتعقل و التفکیر.
 

و من باب المثال:

عن عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السلام قال: حجة الله علی العباد النبی، و الحجة فیما بین العباد و بین الله العقل.(3)

و عن أبی عبدالله علیه السلام قال: العقل دلیل المؤمن.(4)

ولا نظن أن دیناً من الأدیان أوصی بالتعقل و التفکر وحث علیهما بقدر ما صنع الإسلام.

لقد استدل القرآن الکریم لإثبات بعض حقائقه و مواضیعه و أتی بالبراهین و الحجج لکی یحرّک عقولنا، و یدفعنا إلی التفکیر، و یحملنا علی التدبر و النظر.

ولقد جرت سیرة رسول الله (صلّی الله علیه و آله) و الأئمة المعصومین علیهم السلام علی البرهنة و الإستدلال کذلک...

و لهذا یجب ان لا نتردد أو نشک فی حجیة الادلة العقلیة.

ولکننا ـ مع ذلک ـ لا ندّعی قطّ أنّ الأدلة العقلیّة لا تخطیء أبداً .. بل کما أن الحواسّ یجوز علیها الخطأ، و الاشتباه، کذلک قد یخطیء الإنسان فی استدلالاته العقلیة أیضاً.

ولکن یجب ان لا نتخذ موارد الخطأ دلیلاً علی عدم حجیّة الأدلة العقلیة و کاشفیتها، بل یجب أن نفتش عن علل الخطأ و نتجنبها و علم «المنطق» هو الذی یتکفّل هذا الأمر، وقد دوّن لهذا الغرض.

و علی هذا الأساس یمکن إثبات بعض الحقائق عن طریق العقل و التفکر، و اقامة البراهین العقلیة، و الإیمان بها عن یقین: مثل أصل وجود الله، و صفاته الثبوتیة و السلبیة و أصل المعاد، و حشر الأموات و العقوبات و المثوبات الاخرویة، و مثل أصل ضرورة بعث النبی، و بعض صفاته، و کذا القضایا العامة فی مجال الإمامة.

ففی هذه الموارد یمکن الاستفادة من العقل و الادلة العقلیة و الایمان بها عن یقین.

ولکن لا یمکن الإستفادة من الأدلة العقلیة فی جمیع المعارف، فمثلاً لا یمکن اکتشاف خصوصیات و تفاصیل القیامة، و عالم البرزخ، و صحیفة الأعمال، و الحساب، و المیزان، و الصراط، و نعم الجنة، و عذاب الجحیم، عن طریق العقل، بل لابدّ فی مثل هذه الموارد من الرجوع إلی ما ورد لها فی القرآن و الاحادیث من وصف، ولا یطلب فی الایمان بها أکثر من هذا القدر.

 

استنباط الأحکام التکلیفیة

یمکن الإستفادة من العقل فی استنباط بعض الأحکام التکلیفیة و اکتشافها .. و هذه الأحکام و المسائل تتنوّع إلی عدة أنواع:

النوع الأوّل: هی الأحکام التی یستطیع العقل تحصیلها عن طریق اکتشاف ملاک الأحکام و فلسفتها.

و منشأ هذا النوع من الأحکام مسألة کلامیّة یعتقدها أکثر المسلمین و بخاصة الشیعة الإمامیة.

فإن الشیعة الإمامیة تعتقد أنّ أحکام الشرع تابعة للمصالح و المفاسد الواقعیة فیقولون: إذا حرّم الشرع شیئاً أو أوجبه فانما هو لأجل وجود مصلحة لازمة الاستیفاء أو مفسدة لازمة الاجتناب. فالأحکام الشرعیة إذن تابعة للمصالح و المفاسد الواقعیة الکامنة فی الأفعال، سواء أکانت مرتبطة بجسم الإنسان او بروحه، مرتبطة بحیاته الدنیویة أو الاخرویة، مرتبطة بالفرد او بالمجتمع.

و علی هذا إذا لم تکن هناک مصلحة أو مفسدة لم یکن هناک حکم.

 

و علی فرض القبول بهذه العقیدة یقولون: لو أن الشارع المقدّس جعل حکماً لموضوع، و بیّن إلی جانب ذلک علّته، ثم وجد العقل مثل هذه العلة فی موضوع آخر، حکم بشمول هذا الحکم للموضوع الثانی ایضاً.

مثلاً؛ إذا قال الشارع: لا تشرب الخمر لأنّه مسکر، و وجد العقل خاصیة الإسکار فی مشروب آخر کالنبیذ مثلاً، حکم بحرمة هذا المشروب، و وجوب الاجتناب عنه أیضاً، و تبعاً لقاعدة (التلازم) العقلیة التی تقول: کل ما حکم به العقل حکم به الشرع، حکم بأنّ الشرع لابدّ أنّ له مثل هذا الحکم و إن لم یبلغنا، ولم یصل إلینا.

مسألة اخری: إذا وجد العقل فعلاً معیناً، ینطوی علی مفسدة لازمة الإجتناب ولکن لم یرد فی الشرع حکم بحرمته، حکم العقل بحرمته و وجوب الاجتناب عنه، وهو یری ـ بواسطة قاعدة الملازمة ـ انه لابدّ أن یکون للشرع حکم بحرمته لان لطف الله یقتضی أن یهدی عباده بواسطة جعل الأحکام ـ إلی استیفاء المصالح الواقعیّة و اجتناب المفاسد.

فمثلاً: لم یکن لمادة الأفیون وجود فی عهد رسول الله(ص) و الأئمة المعصومین(ع) حتی یصدر حکم من الشرع فی شأنه، و لهذا لا نری للأفیون حکماً فی الأدلة الشرعیة (الکتاب و الاحادیث).

ولکن إذا بلغت مفاسد الإعتیاد علی استعمال هذه المادة الخطیرة حداً یری العقل وجوب الإجتناب عنه بادر إلی الحکم بحرمة استعمالها، و أثبت من طریق قاعدة الملازمة حرمته الشرعیة أیضاً.

وهنا لابدّ من التذکیر بهذه النقطة الهامة وهی: أن استنباط حکمٍ شرعیٍ من حکم عقلیّ إنما یصحّ إذا کان ملاک الحکم، و المصلحة أو المفسدة الکامنة فی الفعل، قد ثبت بالأدلّة القطعیة و أما بمجرد الظن و الحدس و الإستحسان فلا یمکن إثبات الحکم الشرعی.

 

وعلی کلّ حال فانّ هذا العمل لا یتیسر إلّا للمجتهدین العارفین باوضاع الزمان و المکان، و بالمصالح و المفاسد الواقعیّة .. دون غیرهم.

النواع الثانی: ما یرتبط بلوازم الأحکام: فان لکل حکمٍ من أحکام الشرع بطبیعة الحال آثاراً و لوازم یجب علی العقل الحکم فیها، و ذلک مثل وجوب تهیئة مقدمات العمل الذی أوجبه الشرع.

فمثلاً إذا وجب الحج علی أحدٍ فان العقل یحکم بأنه مکلّف بتهیئة مقدمات السفر، و ان لم یوجب الشرع هذه المقدمات بحکمٍ خاصٍ.

مسألة اخری: وجوب تقدیم الواجب الأهمّ علی الواجب المهمّ عندما لا یمکن الجمعٍ بینهما.

فمثلاً عندما یضیق وقت أداء الصلاة الواجبة، ولم یبق منه إلا بمقدار اداء واجباته لا أکثر، ومن جانب آخر کان هناک مؤمن فی حال الغرق و الهلاک، ولم یکن المکلّف بکلا الواجبین (الصلاة، و إنقاذ الغریق) قادراً علی الإتیان بهما معاً فی وقت واحد، بالمعروف لابد أن یختار أحدهما، حکم العقل بأن انقاذ الغریق و حفظ النفس المؤمنة أهم، و علی هذا یجب أن یقدم انقاذ الغریق علی أداء الصلاة.

مسألة اخری: إجتماع الأمر و النهی و الوجوب و الحرمة، فهل یمکن إن یکون عمل واحد حراماً من جهة و واجباً من جهة اخری؟

مثلا هل یمکن القول: أن الصلاة فی المکان الغصبیّ من جهة الصلاتیة صحیحة و واجبة، ولکن من جهة التصرف فی مال الغیر حرام، أو أن هذا الأمر غیر ممکن أساساً؟

فی هذه المسألة یمکن الاستفادة من حکم العقل.

ان هذه المسائل وما یشابهها من المسائل و الفروع المستخرجة منها قد تمّ بحثها فی کتب الاصول، وقد وضحت الوظیفة فیها بالاستدلالات العقلیة الدقیقة.


فکّروا و أجیبوا

1ـ ما هو «الدلیل العقلی»؟

2ـ ما هو الدلیل علی حجیّة «البرهان العقلی»؟

3ـ ماذا یقول القرآن فی هذا المجال؟

4ـ ماذا نفعل للمنع من وقوع الخطأ للادلة العقلیة؟

5ـ ما هی المجالات الإعتقادیة التی یمکننا الإستفادة من البراهین العقلیة فیها؟

6ـ کیف نستفید من الأدلة العقلیة فی الأحکام الشرعیة؟

7ـ کیف نستفید من الأدلة العقلیة فی لوازم الأحکام؟

 

1 ـ البقرة ـ 164.
2 ـ المؤمنون: 78ـ 80.
3 ـ الکافی : ج 1 ص 25.
4 ـ الکافی : ج 1 ص 25.