پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرسُ الخامس عشر الأنبياءُ و النظرةُ العامّةُ إلي الحَياة

 الدرسُ الخامس عشر
الأنبیاءُ و النظرةُ العامّةُ إلی الحَیاة

کیف ترونَ الحیاة؟ أیّة ظاهرة هو الإنسان؟ ما هی نظرتکم حول الإِنسان و الکون؟

هناک رؤیتان متباینتان تماماً فی هذا المجال هما: الرؤیة الإِلهیة، و الرؤیة المادیّة.

الرؤیةُ المادیّةُ إلی الإنسان و الحیَاة

فی هذه الرؤیة یعتبر المادیّون الکون شیئاً مستقلاً، و الوجود فاقداً للشعور و الإِرادة.

إن العالَم فی هذه الرؤیة مجموعة لیس له هدف خاصّ وهی تَتَشکلُ من عناصِر مادیّة تدورُ حول نفسها من دون هدف .. جمیعها عَبَث و جمیعُها بلا هَدَف، و بین هذه المجموعة الکبری یکون الإنسان هو الآخر کائناً عبثیاً، و موجوداً حائراً غیر هادف، یتقدم بخطیً حثیثة نحو الفناء و العدم .. لا هدفَ فی عمله، و نهایته الیأس و الظلام، و القنوط و العدم .. لا ملجأَ له، ولا ملاذ، ولا بصیصَ أمل .. إنه یعیش فی عالمٍ مظلمٍ عارٍ عن الأمل، زاخرٍ بالخوف.

 

إنّ حیاة الإِنسان هی الاُخری حسب هذه الرؤیة المادیّة أمر عبث، و ظاهرة غیر ذات قیمة، و غیر ذات معنی، لیس هناک من یکون الإنسان مسؤولاً تجاهه .. و لیس هناک کائنٌ عالِمٌ، و موجودٌ أسمی یدرک حسنَ عمل الإِنسان و فبحه، لیعاقِب علی السیّء و یُثیب علی الحَسَن .. بل ولا یوجد هناک ملاک ثابت لتقییم أعمال الإنسان و تمییز الحُسن و القبح.
الرؤیة الآلهیة الی الإنسان و الحیاة

فی الرؤیة الآلهیة لا ینظر أصحابها إلی الکون علی أنه کائن مستقل، بل یعتبرونه مخلوقاً مرتبطاً .. فی هذه الرؤیة العالم مخلوق، قد خلق علی أساسٍ من المحاسبة الدقیقة، و النظم و التناسق الدقیقین، و لهدفٍ معین ... و العالَم یرتبط بقدرِة خالقٍ قادرٍ تحفظه ارادة‌ قاهرة، و یحرسه عالمٌ قدیر.

فی الرؤیة الآلهیة لا شیء فی الکون الفسیح بعبث، و من دون نهایة و غایة و هدف .. و الإنسان فی هذه المجموعة الهائلة من الموجودات یتمتع بمقام الافضلیة، وله هدفٌ‌ أعلی ینتظره، وهو یسعی إلی ذلک الهدف طیلة حیاته .. فلا یتملکه الیأس و القنوط بل یحدوه الشوق و الأمل، إنه موجودٌ غیرُ فانٍ، یسافر من هذا العالم الفانی العابر إلی عالمٍ باقٍ ثابتٍ.

الإنسان فی الرؤیة الآلهیّة مسؤولٌ تجاه إرادة ربّهِ المطلقة .. إنّه مسؤولٌ تجاه خالقه الرحمان الرحیم .. و ان علیه مسؤولیّة عظمی تجاه إلهه، لأنّ الله خلقه، و جعله مختاراً، و اعتبره کائناً مکلّفاً مسؤولاً.

إنّ الرؤیة الإلهیةَ تعتقد أنّ للانسان و العالم خالقِاً بصیراً خبیراً حاضراً فی کلّ مکان، ناظراً لأعماله، و هو الذی یعیّن الخیر و الشرّ و الحسنة و السیئة، و یثیب المحسنین الأبرار، و یعاقب المسیئین الاشرار.

 

رؤیةُ الأنبیاء حول الإنسان و الحیاة

إنّ نظرة الأنبیاء إلی الإنسان و الحیاة هی نفس الرؤیة الإلهیة، و عینُها.

حول الکون: یعتقد الأنبیاء أن الظواهر فی هذا الکون موجودات مرتبطة و محتاجة .. إنها آیاتُ القدرة و علامات العظمة الآلهیة .. إنها مظاهر قدرة الله العلیم القدیر.

إنّ الأنبیاء و أتباعهم یعتقدون أنَّ العالم بأسره مخلوقٌ لله الرَّحمان الرحیم ..

و أنّ جمیع الخیرات منه سبحانه، و أنّ تدبیر الکون برمّته بیده .. و بالتالی انّ العالَم لیس لغواً، ولا عبثاً، ولا لعبة، بل هو مخلوق لهدفٍ خاصٍ، و غایةٍ معینةٍ.

حول الإِنسان و سعادته: إنّ للأََنبیاء رؤیة خاصّةً حول الإنسان، و نظرة مخصوصة حول هذا الموجود المتمیّز .. إنّهم یعتبرون الإِنسان موجوداً مکرّماً و کائنا حُر الارادة مختاراً، و مخلوقاً مرکباً من جانبین: من الجسم الذی هو مخلوق من التراب، و من الروح المنسوبة الی الله، و المقتبسة من العالم الربوبیّ.

و لهذا السبب فهو موجودٌ أرقی و خالد، وهو فی التالی أمین الله، و حاملُ الامانة الآلهیة، و القائم بها، و مکلَّفٌ من جانب الله، و مسؤول تجاهه.

إن سعادة الإِنسان الحقیقیّة فی هذه الرؤیة و ان التکامل الواقعی تکمنان فی معرفة الله، و فی السیر فی سبیله و العمل برضاه، و حیث أنّ جمیع القدرات و الخیرات منه لذلک فان التوجّه إلیه تعالی توجّهٌ إلی جمیع الخیرات، و الإِیمان به إیمانٌ بجمیع القیمَ الإِنسانیة الرفعیة.

إنّ أوّل ما بدأَ به الأَنبیاءُ فی دعوتهم هو دعوة الناس إلی عبادة اللهِ الواحدِ الأحدِ، و نبذ جمیع أنواع الشرک .. لقد کان الأنبیاءُ یرونَ أنّ قیمة الإِنسان و شرفه بمعرفة الله و توحیده و أنّ تناسی الله، و الإِعراض عن ذکره سبحانه أساسٌ لکل ألوان الشقاء، و انّ التعلّق بغیره منشأ لجمیع أنواع الشرور، و البلاء و الضیاع.

حول مستقبل الإنسان (المعاد): إنّ مستقبل الإنسان فی رؤیة الأنبیاء مستقبلٌ واضحٌ بیّنٌ فی غایة الوضوح و الجلاء .. إنّه مستقبلٌ مشرقٌ و جمیلٌ یبعث علی الأمل، و یدعو إلی النشاط.

إنّ الأنبیاء یعتقدون أنّ للانسان الصالح المؤمن مستقبلاً مشرقاً جداً و واضحاً جداً .. إنه ینتقل من هذا العالم الی عالَمٍ آخر (عالم الآخرة) الذی هو أوسع، و أسمی من هذا العالم، و هناک یری الإنسانُ نتیجة أعمالِهِ کاملةً.

لقد کانت رؤیةُ الأنبیاء حول العالَمِ و الإِنسان و سعادة الإنسان و مستقبلِهِ مثلَ هذه الرؤیة الواضحة الحق، و کان الأنبیاء أنفسُهم علی یقینٍ قویّ بهذه الرؤیة السامیة الحقّ.

الحَجر الأساس فی دعوة الأنبیاء

کانت هذه الرؤیة الخاصة هی الحَجَر الأساس فی دَعوة الأنبیاء الذی بَنَوا علیه صرح الدین و الشریعة.

إنّ أوّلَ ما کلّم به النبیُ نوحٌ قومَه هو:

(اعْبُدُوا اللّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ إِنّیِ أَخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْمٍ عَظیمٍ)(1)

و هکذا فإن أوّلَ ما کلّم به النبیُ هودٌ قومَه هو:

(یقَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ)(2)
 

و أوّل ما کلّم به صالح النبیّ قومَه هو نظیر هذا الکلام اذ قال:

(یا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ ما لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ اْلأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فیهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمّ تُوبُواْ إِلَیْهِ إِنّ رَبّی قََریبٌ مُجیبٌ)(3)

و قال النبیُ شعیبٌ لقومه فی بدایة دعوته:

(یَقَوْمِِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَکُمْ مِنْ إِلهٍ غَیْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِکْیَالَ وَ الْمِیزَانَ إِنّی أَرکُمْ بِخَیْرٍ وَ إِنّیِ أَخافُ عَلَیْکُمْ عَذابَ یَوْمٍ مُحیطٍ وَ یَقَوْمِ أَوْفُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزَانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْیَاءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِی اْلأَرْضِ مُفْسِدِینَ)(4).

و قال اللهُ تَعالی حولَ رِسالة النبیّ موسی:

(وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِایتِنا وَ سُلْطنٍ مُبینٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَاتّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ مَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ . یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ الْقِیمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَ أُتْبِعُوا فی هَذِهِ لَعْنَةً وَ یَوْمَ الْقِیامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)(5)

و نقرأ فی التَعقیب علی هذه الآیاتِ فی القرآن الکریم:

(یَوْمَ یَأْتِ لاَ تَکَلّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیّ وَ سَعیدٌ. فَأَمَّا الّذِینَ شَقُواْ فََفِی النَّارِ لَهُمْ فیها زَفِیرٌ وَ شَهیقٌ خالِدینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّماواتُ وَ اْلأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبّکَ إِنّ رَبّکَ فَعَّالٌ لِما یُریدُ. وَ أَمّا الّذِینَ سُعِدُواْ فَفِی الْجَنّةِ خلِدینَ فیها ما دامَتِ السّموتُ وَ اْلأَرْضُ إِلاّ ما شَاءَ رَبّکَ عَطاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ)(6)

ولو أمعَنا جیّداً فی هذه الآیات لرأینا أن هناک رکنین جوهریین و أصیلین اساسیین فی دعوة هؤلاء الأنبیاء، و جمیع الأنبیاء ممن سواهم ـ مضافاً إلی اثبات نبوتهم و بیانها و هما:

الأوّل: عبادة الله الواحد (التوحید).

و الثانی: مستقبل الإنسان و سعادته أو شقائه (المعاد).

إنّ الایمان بهذین الأصلین الأساسیّین (التوحید و المعاد) یشکَّل الحَجر الاساس فی دعوة الأنبیاء .. إنّ الأنبیاء کانوا یبدأون دعوتهم للناس بالدعوة إلی الایمان بهذین الأَصْلَین من خلال إقامة الأدلّة و البراهین، و إرائة البیّنات و المعجزات.

إنهم کانُوا یدعون الناس فی لباس الحث و الترغیب، إلی التفکیر فی أسرار الکون و عجائبه ثم إلی الاعتقاد بهذین الرکنین .. إنهم یوقظون فطرة الإنسان المنجذبة جبلیّاً إلی الله و المحبّة له، کیما یعرفوا الله، و یوحّدوه فی الایمان و العبادة، و لیهتدوا ـ من خلال رؤیتهم الإِلهیة لآیات العظمة و آیات القدرة الآلهیة فی کلّ زاویة من زوایا الکون ـ إلی الغایة من خلق الإنسان، و الهدف من إیجاده، و یقفوا علی عالَم ما بعد الموت (عالم الآخرة) و یؤمنوا به، و یفکّروا فی سعادته أو شقائه فی المستقبل.

إنّ الأنبیاء کانوا ـ فی البدایة ـ یصلحون عقائدَ الناس التی تشکّل القاعدة التحتیّة و الحجرَ الاساسی لکلّ أعمالِهم و تصرُّتهم، إنّهم فی البدایة یدعون الناس إلی هذین الأصلین (التوحید و المعاد) ثم یعرضون علیهم البرامج و المناهج السماویّة و الأحکام و القوانین الدینیة.

و من هذا الطریق کانوا یدعون إلی سبیل السعادة و الخیر و الصلاح، لأنّ الایمان و الاعتقاد، و الرؤیة إلی الحیاة و الکون لدی کلّ إنسان هی منشأ کلّ الأعمال و التصرّفات، و منبع کلّ الأفکار و الأخلاق، فان کلّ شخص إنما یعمل وِفق ما یعتقد، و یتصرّفَ وِفق ما تملی علیه رؤیته للحیاة و الکون و الإِنسان.

إن أَخلاق کلّ إنسان و تصرّفاته تعکس ـ فی الحقیقة ـ إیمانَه و عقیدته، و تنبع منهما، فالأعمال و الاخلاق مظهران للایمان و الإِعتقاد عند کلّ انسان.

 

إنّ الإِیمان الحقَّ و العقیدة الصحیحة السلیمة یثمران العملَ الصالَح، و ینتجان التصرفات السلیمة، و یعطیان ثمارَ الإِحسان الجمیلة.

إنّ العقیدةَ الفاسدة و غیر الصحیحة تنتُج الإِنحراف و الفَسادَ، و الظلمَ و الضِیاعَ.

و علی هذا الأَساس فانّ لإِصلاح الناس یجب أن یُبدَأ من إصلاح رؤیتهم و اعتقادهم، و هذا هو ما کان یتبعه الأنبیاء. إنهم کانوا یقوُّون الایمان بالله، و بیوم الجزاء و یرسّخونهما فی أفئدة الناس و عقولهم، حتی لا یسعی الناس لغیر الله، ولا یتخذوا لأنفسهم طریقاً غیر طاعته سبحانه، و هدفاً غیر جلب رضاه.

هدف الأَنبیاء:

إنّ هدف الأنبیاء الکبیر هو زَرعُ الایمان بالله الواحد فی النفوس، و دفعها إلی التقرّب إلیه .. ان الهدف هو احیاء القلوب بذکر الله، و تنشیط الارواح بمحبته و تعشقه سبحانه .. و إنّ جمیع أحکام الدین و قوانینه الإِجتماعیة و السیاسیة، بل و حتی إقامة القسط و العدل فی المجتمع لها صفة البنیة الفوقیة، و تأتی فی الدرجة الثانیة فی سلّم إهتمامات الرسُل.

إنّ الأنبیاء کانوا یرون سعادةَ البشر فی الایمان بالله الواحد، و کانوا یطلبون من الناس أن یجعلوا کلّ أعمالهم و تصرّفاتم فی مسار الرضی الإِلهیّ، و فی سبیل التقرُّب إلی الله .. أن یخدموا الآخرین من بنی نوعهم من أجل الله .. أن یعمّروا الأرضَ لله .. أن یقارِعوا الظالمین لله .. أن یعملوا علی إقامة العدل و القسط لله .. أن یبادروا إلی مساعدة المحرومین و المستضعفین لله، بل و یجعلوا نومهم و أکلهم للهِ أیضاً، فلا یطلبوا إلّا رضاه، ولا یعبدوا سواه، إذ هکذا یسعدون و یفوزون و یفلحون.
 


فکروا و أجیبوا

1ـ کیف یُنظَر إلی الکون و الحیاة فی الرؤیة المادیة؟

2ـ و کیف ذلک فی الرؤیة الآلهیة؟

3ـ کیف یکون موقع الإِنسان فی رؤیة الأنبیاء؟

4ـ ما هی الاُصول التی تشکّلُ حَجرَ الأساس فی دعوات الأَنبیاء و رسالاتهم؟

5ـ أیّ اُسلوب یجب إتباعه أوَّلاً لإِصلاح الناس؟

6ـ إحفظوا الآیات بدقة، و تعلّموا تفسیرها جیداً.

 

1 ـ الاعراف ـ 59.
2 ـ هود ـ 50.
3 ـ هود ـ 61.
4 ـ هود 84 ـ 85.
5 ـ هود 96 ـ 99.
6 ـ هود 105 ـ 108.