پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الرابع عشر هَدَفُ الأنبياء النهائي

 الدرس الرابع عشر
هَدَفُ الأنبیاء النهائی

فی الدَرس السابق قرأتم أَنّ للأنبیاء هدفین کُلّیَّیْن فی مهمتهم الإِلهیة، أحدهما معرفة الله، و توحیده فی العبادة و التقرب إلیه، وهو أمرٌ یرتبط بحیاة البشر الروحیّة، و سعادته الاُخرویة، و الآخر هو إقامة العدل و القسط، و محو الظلم و التمییز وهو یرتبط بحیاةِ البشرِ الدنیویة المادیّة.

و الآن ینطرح هذا السؤال و هو هل کان الأنبیاء ثنویّین فی رسالتهم یسعون إلی تحقیق الهدفین المذکورین، کلٍ بصورةٍ مستقلّةٍ.

أم أنَّهم کانوا یعتبرون أحدَ الهدفین أصلیاً و الآخر تبعیّاً، و مقدَّمةً للآخر أو متممّاً له.

و علی الفرض الثانی أیّهما هو الهدفُ الأصلی عند الأنبیاء، و أیّهما هو التبعیُّ الثانویّ؟

إنّ ها هنا عدَّة إحتمالات:

1ـ لقد ظَنّ البعضُ أنّ هدفَ الأنبیاء الأصلیّ کان هو ضمان سعادة البشر الدنیویّة، و إقامة القسط و العدل، و محو الظلم و التمییز .. و انّ الأنبیاء جاؤوا لکی یَمنعوا من الإِختلافات و التجاوزات، و کلّ أشکال العدوان، و ان یجعلوا حیاة البشر مقرونةً بالأمن و الطمأنینة، و الرخاء و الرفاه، و إنما أکدّوا علی وجوب معرفة الله، وحثوا علی عبادته و الایمان بالمعاد، و المثوبات و العقوبات الاُخرویة و القیم الاخلاقیة کالعدل و الاحسان و التضحیة و الایثار، و الدفاع عن المحرومین و المستضعفین، من أجل أن یستفیدوا من کلّ ذلک فی إقرار العدالة الاجتماعیة و محو الظلم و التمییز.

لقد قال هذا الفریقُ: ما هی فائدة التوحید النظریّ، و معرفة الله فی حدّ ذاتها .. فنحن سواء عرفنا الله أو لم نعرفه، عَبَدناه أو لم نعبده فماذا یجدینا ذلک؟ و ماذا یستفید الله تعالی من ذلک؟

یجب ان یُعتبر ذلک وسیلة للتوحید الاجتماعی، و اقامة المجتمع الخالی عن الطبقات.

2ـ ولکنّ المحقّقین و العارفین بالاسلام، الواقعیّین یعتبرون الهدفَ الأصلیَّ و النهائی فی دعوة الأنبیاء و مهمّتهم هو تربیة النفوس البشریة، و إصلاح حیاة البشر الاُخرویة، و للوصول إلی هذا الهدف یعتبرون التوحیدَ النظری، و الایمان بالمعاد، و الایمان بالنبوّة و العبادة و التسلیم أمامَ الله الواحد الأحد، و تزکیة النفس، و التخلّق بالأخلاق الحسنة، مفیداً بل و ضروریاً لذلک.

وَ لدعمِ هذهِ النظریةِ نُشیر إلی عدة اُمور:

1ـ یُستفاد مِن الفَلسفة الإِسلامیّة‌ و مِن الآیات و الأحادیث أنّ الإنسان من جهة روحه المکوتیة کائنٌ مجرّدٌ، و أعلی من المادة و المادیات، و انه باقٍ مُخلَّد لا یفنی بالموت بل ینتقل من هذا العالم إلی عاَلم الآخرة، لیری هناک نتیجة أعماله الصالحة او السیئة.

إنّ الإنسان باعتبار روجه الملکوتیة فی حال حرکةٍ و تکاملٍ دائمین، فهو یرید الله و یطلبه بفطرته، و ینجذب الیه بجبلّته، و یری کماله و سعادته و صلاحه فی معرفة الله و عبادته و التقرّب إلیه، و انّ حیاته الأصیلة هی حیاته النفسیة (الروحیّة) و الاُخرویة.

2ـ لقد صُرّحَ فی العدید من الآیات و الأحادیث بأنّ الدنیا و الاُمور الدنیویة لیست بذات قیمة هامّة، و انّ حیاة الإنسان الأصلیة و القیمّة هی حیاته الاُخرویّة و النفسیة‌ و للمثال:

(الْمالُ وَ الْبَنُونَ زینَةُ الْحَیَوةِ الدّنْیَا وَ الْبقِیتُ الصّلِحَتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَوابًا وَ خَیْرٌ أَمَلاً)(1)

(اعْلَمُوا أَنّمَا الْحَیَوةُ الدّنْیَا لََعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زینَةٌ وَ تَفَاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَ تَکَاثُرٌ فِی اْلأَمْوَالِِ وَ اْلأَوْلاَدِ کَمَثَلِ غَیْثٍ أَعْجَبَ الْکُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ یَهیجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمّ یَکُونُ حُطامًا وَ فِی اْلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِیدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رِضْونٌ وَ مَا الْحَیَاةُ الدّنْیا إِلاّ مَتَعُ الْغُرُورِ سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَ جَنّةٍ عَرْضُها کَعَرْضِ السَّمَآءِِ وَ اْلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلّذِینَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ ذلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ)(2)

(وَ مَآ أُوتِیتُمْ مِنْ شَیْ‏ءٍ فَمَتعُ الْحَیاةِ الدّنْیَا وَ زینَتُهَا وَ مَا عِنْدَ اللّهِ خَیْرٌ وَ أَبْقَى‏ أَ فَلاَ تَعْقِلُونَ)(3)

3ـ لقَد وُصِفَت الدُنیا ـ فی أحادیث کثیرة ـ بأنها ممرّ لا مقرّ، و أنّها مکانٌ مؤقّتٌ، و بأَنها مزرعة الآخرة، و أنه بالتالی یجب أن یستفاد منها لبناء الحیاة الاُخرویة الخالدة و تشییدها.

و نذکر علی سبیل المثال ما یلی:

قال علی علیه السلام: ألا وَ إنّ هذِهِ الدُّنْیاالتی أصْبَحتُمْ تَتَمَنّونَها وَ تَرْغَبُونَ فیها، و أصبَحَتْ تُغْضِبکْم وَ تُرْضِیکُمْ لَیْسَت بِدارِکُمْ وَ لا مَنْزِلِکْم الذی خُلِقْتُمْ لَهُ، وَلا الّذِی دُعَیتم إلیه، أَلا و إنها لیسَتْ بباقِیَة لکْم وَلا تبقُونَ عَلَیْها، وَهِیَ وَ إنْ غَرَّتُکمْ مِنها فَقْد حَذّرتکُمْ شَرَّها، فَدَعُوا غُرورَها لِتَحذِیْرَها و أَطماعَها لِتَخْویفها، و سابقوا فیها إلی الدارِ التی دُعِیْتُم إلیْها(4)

قال علیٌ علیه السلام: فَإِنَّ الدُّنیا لَم تُخْلَقْ لَکُم دارَ مَقامٍ، بَلْ خُلقَتْ لَکُم مَجازاً لِتَزَوَّدُوا مِنها الأَعمالَ إلی دارِ القَرارِ(5)

قال علیٌ علیه السلام: أَیُّها النّاسُ إنّما الدُّنْیا دارُ مَجاز و الآخِرةُ دارُ قَرارٍ، فُخذُوا مِن مَمَرّکُم لَمَقرّکُمْ وَلا تَهتِکوُا أستارَکم عِنْد مَن یَعلَمُ أسْرارَکم و اخرجُوا مِنَ الدُنیا قلوبکم مِنْ قبلِ أن تَخرجَ منها أبدانکُمْ فَفیِها اْختُبِرتُم وَ لِغیرها خُلِقْتُمْ(6)

من هذه الآیات و الأحادیث و نظائرها العدیدة البالغة حدّ المئاتُ یستفاد أنّ حیاة الإنسان الأصیلة التی خُلِق لأجلها انما هی ـ حسب نظر الإِسلام و رؤیته ـ حیاته الروحیّة و الاُخرویة و ان الحیاة الدنیا وسیلة لضمان السعادة الاُخرویة.

و من هنا یمکن أن نستنتج أن هدفَ الأنبیاء الأساسیّ و النهائیّ أیضاً هو أن یمهّدوا للبشر طریق التقرب و الکمال، و الفوز بالسعادة الاُخرویة، ولا یمکن لأحد غیر الأنبیاء الذی یعلمون عن الله أن یوقف البشرَ علی مثل هذا الطریق، وقد أعتبر الأنبیاء الإِیمان بالله، و بالمعاد و الایمان بالنبوة، و عبادة الله الواحدِ و التخلق بالأخلاق الحسنة، الطریقَ الوحیدَ للوصول إلی السعادة الاُخرویة.

و علی هذا الأساس یتأیَّد الرأیُ الثانیُ، و أما الرأی الأوّل الذی یعتبر إصلاح اُمور الناس المعیشیة الهدف الأصیل و النهائی للأنبیاء فهو مرفوض لأنه یخالف الآیات و الأحادیث.

 

غیر أن مقصودَنا لیس هو أنّ الأنبیاء لم یعتنوا أبداً باقامة العدل و القسط، و محو الظلم و التمییز، بل کانوا یعتبرون العملَ و السعِیَ و إسداءَ الخدمة للناس و العملَ بالقسط و العدل إذا تمَّ علی أساسٍ أخلاقیّ، من أفضلِ العبادات، و أحسن القربات لأنَّ بهذه الطریقة یمکن توفُّر الحیاة الإنسانیة الإجتماعیّة، و توفّر البیئة المناسبة لتزکیة النفس و تهذیبها، و لعبادة الله الواحد الأحَد.

و من هنا یتّضح بطلانُ القول بأنّ الأنبیاء کانوا ثنائیین فی أهدافهم، و أنهم کانوا یعتنون بالاُمور الدنیویة و الاُخرویّة علی حدّ سواء، لأنه قَد تبیّنَ من المعلومات السابقة أنَ الدنیا لیس لها فی نظر الأنبیاء إلّا قیمة مقدّمیّة و إلّا قیمة کونها مزرعة للآخرة، و یمکن فیها القیام باکتساب الکمالات النفسیّة،و السعادة الاُخرویة .. و أساساً لم یکن الأنبیاء یفرّقون بین الدنیا و الآخرة، و لا یقیمون بینهما حَدّاً متمیّزاً، بل کانوا یسعون دائماً و أبداً إلی أن یجعلوا الاُمور الدنیویة فی طریق تکمیل النفس، و ضمان السعادة الاُخرویة.


فَکّروا و أجیبوا

1ـ ما هوَ الهدف النهائیّ فی مهمَّة الأنبیاء؟

2ـ بَیّنوا أدلة ذلک.

3ـ کیفَ تُبطِلُون الأحتمال الأوّل؟

4ـ کیف تبطِلُون ثنائیّة الأنبیاء فی أهدافهم؟

5ـ إحفَظوا الآیات، و تَعَلَّموا تفسِیرها جیداً.

 

1 ـ الکهف ـ 46.
2 ـ الحدید 20 ـ 21.
3 ـ القصص ـ 60.
4ـ نهج البلاغة الخطبة 173.
5 ـ نهج البلاغة الخطبة 132.
6 ـ نهج البلاغة الکلام 203.