پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدَرسُ التاسِع الفَرقُ بين المعجزة و السِحر

 الدَرسُ التاسِع
الفَرقُ بین المعجزة و السِحر

والآن ینطرحُ هذا السؤال: إذا کان النبیُّ یقوم ـ فی مجال الإِعجاز ـ بعملٍ خارقٍ للعادة لا یقدر علی إتیانه الآخرون .. فإنّ الساحَر هو أیضاً یقوم بعملٍ عجیبٍ خارقٍ للعادة یعجز عنه الآخرون، فما هو إذن الفرق بین المعجزة و السحر؟.

وَ کیف یمکن أن نَطمئِنّ إلی أَنَّ عَمَلَ النبیّ معجزة ولیس بسِحرٍ؟

فی الإِجابة علی هذا السُؤال نشیر إلی عدّةِ فروقٍ بین المعجزة و السِحر:

الأوّل: فی عملیّة السِحر لا یقع أیُّ عمل واقعیّ، ولا یتحقق شیءُ علی صعید الواقع الخارجیّ، إِنّما یؤثَّر الساحر (أوقلْ یتصرّف) فی حواسّ المتفرجین و أجهزة إدراکهم بحیث یتصوَّرون أمراً غیر حقیقی حقیقیاً، و واقعیّاً.

فقد حَدَث فی قصّة النبیّ موسی(ع) أنَّ السَحَرَة ألقَوا حِبالهم و عِصیّهم و غیر ذلک من أدوات سحرِهم أمام الناس، فَبَدَت هذه الأشیاء ـ بسحرهم ـ و کأنها حیّاتُ و أفاعی تتحرَّکُ و تتململُ، واستوحش الحاضرون، فی حین لم یحدُث شیءٌ علی صَعِید الواقع الخارجی، ولم یکن هناک أیة أفاعی و حیّات حقیقیّة.

ولهذا قال تعالی فی القرآن الکریم:

(قالَ أَلْقُوا فَلَمَّآ أَلْقَواْ سَحَرُواْ أَعْیُنَ النّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جَآءؤُ بِسِحْرٍ عَظِیمٍ)(1)

(قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِیّهُمْ یُخَیّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنّهَا تَسْعَى)(2)

ولکن فی مقام عملیّة الإِعجاز یحدث أمرٌ حقیقیٌ علی صعید الواقعٍ و التکوین .. ففی قصَّة النبی موسی علیه السلام تبدّلت عصا موسی علیه السلام إلی ثعبان عظیمٍ واقعاً وابتلع سحرَ الساحرین حقیقةً.

قال الله تعالی لموسی علیه السلام:

(قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنّکَ أَنْتَ اْلأَعْلى‏ وَ أَلْقِ مَا فی یَمِینِکَ تَلْقَفْ ما صَنَعُواْ إِنّمَا صَنَعُوا کَیْدُ ساحِرٍ وَ لاَ یُفْلِحُ السَّاحِرُ حَیْثُ أَتَى‏ فَأُلْقِیَ السَّحَرَةُ سُجّدًا قالُوا ءَامَنّا بِرَبّ‏ِ هَارُونَ وَ مُوسَى)(3)

ولهذا عندما رأی السَحَرة أنّ آلات سِحرهِم قد ابتلعها ثعبانُ النبیّ موسی حقیقةً أدرکوا أنّ ما عَمِله النبیُ موسی معجزة، و أنّها تختلف عمّا صنعوه إختلافاً جوهریاً، ولهذا بادَروا إلی الإِیمان به.

الثانی: إنّ الساحر یحتاج لعمله إلی أعمال خاصة أو أذکار معیّنة، أورَسم خطوطٍ أو نقشِ صُوَرٍ واشکال، و کتابة أشیاء، ولکن فی مجال الإِعجاز و الإِتیان بالمعجزة لا یحتاج النبیُّ إلی عمل خاص .. إنما تکفی إرادة النبی لتتحقق المعجزةُ و تقع بتأییدٍ من الله سبحانه و إمضائه.

الثالث: إنّ المعجزة لا تُغلَب أبداً، فعندما تشاء نفسُ النبیّ أن یتحقق شیءٌ، فإنه یقع ذلک الشیء حتماً و جزماً ولا تستطیع أیة قوة فی الأرض أن تحولَ دون وقوعه، و تمنع من تحققه، أو تبطله بعد وقوعه، لأن ذلک صدَرَ من منبع القدرة الآلهیة، ولا تتمکن أیّة قوة فی الأرض أن تقاومَ قدرةَ الله و مشیئته الغالبة، ولکن الأمر فی مجال السِحر لیس هکذا، لأنه من الممکن أن یُغلَبَ سحرُ الساحر بِسحرٍ أقوی، أو یُبطَل بواسطة نبیّ مؤیّد من جانب الله، کما حدث ذلک فی قصة النبی موسی علیه السلام.

الرابع: إنَّ السِحر یُعتبَر من العُلوم و الحرِفَ، فان الانسان العادیّ یمکنه عن طریق التعلّم و التدرُّب، أن یصیر ساحراً ماهراً، ولا یحتاج إلی الإِیمان إلهیّة، ولکن القدرة علی الإِتیان بالمعجزة موهبة إلهّیة، وهو لیس شیئاً یحصل عن طریق التعلّم و التدرّب و التجربة، إنما یمتلک صاحب المعجزة إیماناً عظیماً و عمیقاً، و ارتباطاً و ثیقاً وقویاً بالله تعالی.


فکّروا و اجیبوا:

1ـ بَیّنِوا الفَرقَ الأوّل بین المعجزة و السِحر.

2ـ بَیّنِوا الفَرقَ الثانی.

3ـ بَیّنِوا الفَرقَ الثالث.

4ـ بَیّنِوا الفَرقَ الرابع.

5ـ إحفظوا الآیات بدقةً، و تعلّموا تفسیرها جیداً.

 

1 ـ الاعراف ـ 116.
2 ـ طه ـ 66.
3 ـ طه ـ 68 ـ 70.