پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدَرسُ الأوّل الإنسانُِ و برنامجُ سعادتهِ

 الدَرسُ الأوّل
الإنسانُِ و برنامجُ سعادتهِ

خَلَق اللهُ تعالی الانسانَ فی أفضَل صورة، و قرّر أن یبلَغ هذا الإنسانُ مرحلةً من الکمال اللائق به، و أودع فی کیانه رغبة إلی الکمال، و مَکّنَهُ من الحرکة باتجاهه، و السعی لنیله.

إنَّ الانسانَ بحاجة إلی برنامجٍ، و مرشدٍ، لسلوک طریق الحیاة، و ضمان سَعادته الحقیقیة. و بدون ذلک لا یستطیع أن یصل إلی کماله المنشود، و یحقق سعادته المطلوبة.

إنّ الانسانَ لا یتمکَّن ـ بمفردهِ ـ أن یکتشف برنامج حیاته، و طریق تکامله، کما لا یمکنه بمفردهِ أن یطبَّق ذلک البرنامج، و ینفّذه علی نفسه و علی الآخرین، بل یحتاج ـ لمعرفة ذلک الطریق و سلوکه ـ إلی خالقِ الکون، و رُسُلهِ و أنبیائِهِ .. و من هنا نقف علی ضرورة إرسال الأنبیاء و بَعْثِ الرسُل .. و نحن ندرس هذا الموضوع فی مرحلتین:

الاولی: دراسة الإنسان، و دراسة حاجته إلی برنامج الحیاة، و الخصائص التی یجب أن یتّسِمَ بها «البرنامجُ السعیدُ».

الثانیة: التعریف بواضع البرنامَجِ الکاملِ الصالحِ.

 

1ـ لقد ثَبَت فی مجال العلوم العقلیّة ـ أنَّ الانسانَ مُرَکّبُ من الجَسَد و الرُّوح، فَمن جهة الجَسَد هو مثل کلّ الأشیاء المادیة عُرضةُ للحرکة و التغیرُّ، و التبدُّل و التحوُّل.

و من جهة الرّوح یُعدّ من عالَم المجرّدات، ولکنَّ بین الروح و الجسد منتهی الترابط و العلاقة بل هما متحدان.

وحیث أنّ للروح تعلُّقاً و ارتباطاً بالمادَّة لا تکون مجرّداً محضاً، و لهذا یمکن للرّوح أن تتحرک و تستکمل نفسها، ایضاً.

إنها فی البدایة‌ کائنُ ضُعیفُ، ولکنّها تترقّّی تدریجاً، و تتکامل شیئاً فشیئاً، إلّا أنّها لیست فی جمیع المراحل إلّا حقیقة واحدة.

2ـ حیث أنّ الانسانَ یسیر فی طریق التکامل وهو یمیل إلی الکمال بفطرته، کما هو مزوّدُ بقوة تُمَکّنهُ من بلوغه، فلا بدّ أن یکون وصولهُ إلی تلک الغایة أمراً ممکنِاً، لأنه لا مکان للعبث و اللغو فی نظام الخلق و التکوین.

فکما أنّ کلَّ نوع من أنواع الکائنات فی هذا العالَم المادیّ قادر علی أن یبلغ کماله الممکن، و قد مُهّدَ له طریق الوصول إلی تلک الغایة، کذلک الانسان لیس هو الآخر محروماً من هذا الفیض الإِلهیّ العظیمِ، بل هَیّأَ له الخالقُ الحکیمُ طریق الوصولِ إلی الغایة المنشودة.

3ـ حیث أنّ الإِنسان مُرکَّّبٌ من الجَسد و الرُّوح لهذا من الطبیعیّ أن تکون حیاتُه ذا طبیعة مزدوجة، أی مرکبّة من نوعَین من الحیاة: إحداهُما دنیویّة ظاهریة، وهی التی ترتبط بجسده، و الاُخری روحیة باطنیة ترتبط بروحه ونفسه، کما ان من الطبیعی أن یکون لِکلّ واحدة من هاتین الحیاتین ـ فی النتیجة ـ نوع من التکاملِ، و السعادةِ، أو التسافلِ و الشقاء.

إنّ الانسانَ، و حتی عند انشغاله بالحیاة المادیّة، و غفلته عن الحیاة الروحیة والنفسیة غفلةً کاملةً، یتمتع فی باطن کیانه بحیاةٍ واقعیّةٍ أیضاً فهو یسیر إمّا باتجاهِ سعادته، و کماله الانسانی و إمّا باتجاهِ شقائه و سقوطه.

إنَّ المعتقدات الصحیحة، و الأعمال الصالحة، و الأخلاق الحسنة خیر وسیلة للاستکمال النفسیّ، الروحیّ، و السعادة الباطنیة.

کما أنَّ المعتقدات الباطلة، و الأعمال السَیئة و الأخلاق الذمیمة، توجب انحراف الانسان عن صِراط الإِنسانیة المستقیم، و تقوُدُه إلی مَهاوی الهَلاکِ و الشَقاء.

فلو سَلکَ الانسانُ طریق التکامُل المستقیم، لتکامَلَ جوهرُ ذاته، و بَلَغُ رشدَه، وارتقی بعد طیّ مراحلِ الکمالِ إلی عالَمهِ الأصلیّ، عالم النور و السُرور.

و اذا ضحّی بالکمالات الروحیّة و الاخلاق الحسنة، و الأعمال الصالحة فی سبیل إرضاء غرائزه الحیوانیّة، و ظَهَر فی صورة حیوانٍ شهوانّیٍ، أو سبع مفترس، فانَّ مثلَ هذا الشخص یکون قد انحرف عن صراطِ التکاملِ المستقیمِ، و شذّ عن طریقٍ الانسانیة القویمِ، و سقط فی ودیان الشقاء و الهلاک.

4ـ حیث أنَّ بین الجسَد و النفس الإنسانیة إرتباطاً کاملاً، و اتحاداً عمیقاً، فإن بینَ الحیاة الدنیویة و الحیاة النفسانیة أیضاً غایة الارتباط ولا یمکن أن نفصِلَ بینهما، ولا بُدّ أن نحسب لکلّ واحدٍ منهما حِساباً خاصّاً مستقِلّاً.

إنَّ أعمال الإِنسان الحسنة أو السیّئة تؤثّر ـ و من دون شکّ ـ فی نفسه، تأثیراً سیّئاً أو حَسَناً، کما أنّ للصفات و الَملکات النفسانیّة تأثیراً فی کیفیّة صُدور الأفعال.

إنّ الحیاةَ النفسانیّة و الباطنیّة لدی الانسان تنشأ من معتقداته و أخلاقه و أعماله الظاهریة .. و من دون الإیمان الصحیح، و القیامِ بالأعمال الصالحة لا یمکن التحرک نحو الکمال المطلوب، و السعادة الروحیّة، کما أنه من دون تزکیة النفس و تهذیبها لا یمکن تحقیق النجاح فی مجال إصلاح الظاهر، و ضبط الأعمال، و التصرّفات نجاحاً کاملاً.

5ـ إنّ الانسانَ یعیش فی المجتمع، و ینتفع بجهود أبناء نوعه، و یُنَفَّعهُم بجهوده، و إنّ التزاحم بین المنافع و المصالح، و المآرب و المطالب، و التعدّی و التجاوز علی حقوق الآخرین هو أحد اللوازم الحتمیّة للحیاة الاجتماعیة البشریة .. و إن العیش بسلام فی أحضانِِ مجتمعٍ یعانی من الاختلاف و التزاحم، و العدوان و التجاوز أمرُ فی غایة الصعوبة، بل هو من غیر الممکن.

ولهذا السبب یحتاج المجتمعُ البشریُّ إلی قانونٍ کاملٍ و دقیقٍ، و شاملٍ یکفل حقوق الأفراد و یحول دون العدوان و التجاوز.

من مجموع هذا کلّه نستنتج أَنَّ الإِنسان ـ لکونه یتألف من بُعدین وجودیّین، أی الجسد و الروح اللذین بینهما غایة الاتصال و الارتباط، و اللَذین لهما نوعان من الحیاة بینهما کمال العلاقة و الترابط ـ یحتاج من أجل ضمان سعادتِهّ، و تحقیق کماله فی الدارین، إلی برنامج کاملٍ، و منهج عملٍ دقیقٍ و متناسق.

إنّ البرنامجَ الذی یضمن سعادة البشر الدنیویة و کذا سعادتهم و کمالهم الاخروی یجب أن یکون بحیث لا تُلحِق الحیاةُ الدنیویّة و الجسمانیة الضررَ بالحیاة الاُخرویة، ولا تمنع الحیاةُ الروحیّة و المعنویة الانسانَ من التمتع بالحیاة الدنیویة و المادیة.

یجب أن یکون برنامجاً یُطابقُ إحتیاجات البشر الحقیقیة، و یرشدُ الانسانَ نحو کَمالِهِ و سعادَتِهِ الواقعیّةِ، لا السعادةِ الخیالیة، و الکمال الوهمیّ.

یجب ان یکون برنامجاً قائماً علی أساس الفضائل و الکمالات الانسانیة.. برنامجاً یُلفِت نظرَ الانسان نحو تربیة الروح الملکوتیة، و نیَل الزُلفی عند الله، و یعتبر الدنیا مزرعة الآخرة .. برنامجاً رُوعیت فی قوانینه و نُظُمِه مصالحُ جمیع أبناء البشر الواقعیّة، کما و یکون بعیداً عن ضِیق النظر، و خالیاً عن التمییز الباطِل، و الحزِبیة و العَصَبیّة الجاهلیّة.

(یَا أَیُّهَا الّذِینَ آمَنُواْ اسْتَجِیبُوا لِلّّهِ وَ لِلرََّسُولِِ إِذَا دَعاکُمْ لِما یُحْییِکُمْ وَ اعْلََمُواْ أَنَّ اللّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلََیْهِ تُحْشَرُونَ)(1)

(یَا أَیّهَا النّاسُ قَدْ جآءَکُمْ بُرْهنٌ مِنْ رَّبِّکُمْ وَ أَنْزَلْنَا إِلََیْکُمْ نُورًا مُبینًا فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَ اعْتَصَمُوْاْ بِِهِ فَسَیُدْخِلُهُمْ فِی رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ یَهْدِیهِِمْ إِلََیْهِ صِراطًا ً مُسْتَقیماً)(2)

(کَانَ النّاسُ أُمَّةًً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِیِّینَ مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرینَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْکِتَابَ بِِالْحَقّ‏ِ لِیَحْکُمَ بَیْنَ النّاسِِ فِیمَا اخْتَلََفُوا فِیهِ وَ مَا اخْتَلََفَ فِیهِ إِلاّ الَّذِینَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَیِّناتُ بَغْیًا بَیْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا ْلِمَا اخْتَلََفُوا ْفِیهِ مِنَ الْحَقِّ‏ِ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ)(3)
فکّروا و أجیبوا

1ـ إلی کَم نوع تنقسُم حیاةُ الانسان؟

2ـ بماذا ترتبط حیاةُ الانسانِ الباطنیة، وَضّحوا ذلک؟

3ـ هل یمکن الإِنفکاک بین الحیاة الجسدیّة و الروحیّة؟ و لماذا؟

4ـ کیف یجب أن یکونَ البرنامجُ الکاملُ الکافلُ لسعادة الانسان؟

5ـ إحفظوا الآیات.


1 ـ الأنفال ـ 24.
2 ـ النساء ـ 174 ـ 175.
3 ـ البقرة ـ 213.