پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الدرس الثاني مَنِ القادِر علي وَضعِ برنامجِ السعادة؟

 الدرس الثانی
مَنِ القادِر علی وَضعِ برنامجِ السعادة؟

بَعد أن تَعَرّفنا علی الشُروط و الخُصُوصیّات التی یجب ان یتصف بها البرنامجُ الکاملُ الذی یحتاجُ إلیه البشرُ، ینطرحُ هذا السؤالُ:

تُری مَنِ الَّذی یقدر علی وَضْع هذا البرنامَج و تنظیمه؟ هل یتمکنُ البشر، و حتی العلماءُ و العقلاءُ و المصلحون منهم أنْ ینظمّوا برنامجاً کاملاً و دقیقاً أوْلا؟

إذا فَکّرتُم قَلیلاً فسوفَ یکون ردُّکم بالنفی حتماً، و ذلک لأسباب هی: أوّلاً إنما یستطیع أن یضع مثل هذا البرنامج مَنْ یکون عارفاً بالانسان حقیقةً، و مَنْ تکون لدیه معلومات کافیة عن أسرار جسم الانسان و روحه الملکوتیّة و دقائقهما، و عن غرائز الإِنسان، وقواه و أحاسیسه و مشاعره، و مُیوله و رغباته، و مصالحه و مفاسده الحقیقیة، کما یکون عارفاً بمقتضیات الزمان و المکان، و مواضع التزاحم بین القوانین و آثاره. و من المعلوم أنه لا یوجد بین أفراد البشر برمّتهم مثل هذا الشخص.

و ثانیاً: علی فرض أن یقدر المقنّنِون البشر علی وَضع مثل هذا البرنامَج الکافِل لشُؤون الإِنسان و حاجاته الدنیویة، لکنهم ـ و من دُون شک ـ لا یعرفون شیئاً عن أسرار رُوح الانسان الملکوتیة و رموزها، و إحتیاجاتها المعنویة، و عن حیاته النفسانیة و متطلباتها الدقیقة، کما لا یعرفون شیئاً عن الترابط العمیق الموجود بین حیاته الدنیویة الظاهریة و حیاته الروحیّة الباطنیة، و لیست لدیهم أیّة معلومات کافیةٍ و جوهریة عن عوامل تکامل نفسه، و أسباب تسافلها، و لهذا فهم لا یتمکنون أن یضعوا للناس برنامجاً کاملاً شاملاً.

و أساساً إن مراقبة الحیاة النفسیة، و العنایة بتربیة روح البشر الملکوتیة أمرٌ خارج عن نطاق مقدرة المقننین البشر، و عم متناول عقولهم القاصرة المحدودة.

و علی هذا لا یصلح الانسان الذی تنقصه المعرفة و المقدرة اللازمتان لأن یضع لنفسه قانوناً یکفل رفاه البشر، و راحتهم، و أمنهم و سلامتهم و سعادتهم الدنیویة، کما یضمن تکمیل نفوسهم و سعادتهم الاُخرویة .. إنّما الوحید الذی یقدر علی سَنّ مثل هذه البرامج الکاملة و القوانین المتناسقة، و وضعها تحت تصرّف البشر هو الله الخالق لهذا الکون، و الموجدِ لهذا العالَم.

إنَ خالق البشر هو وحده یعلَمُ جیّداً بما فی کیان البشر و ترکیبه الوجودی من أسرار و رموز، و یعرف بما اَودِع فی جسمه و روحه من دقائق، معرفة کاملة، و یدری بمشاعرة و غرائزه، و أحاسیسه و میوله، و یهتم بها.

و انه تعالی وحده الذی یعرف جیّداً بکمالات الإِنسان الحقیقیة، و یعرف بأسباب تعالیه و وسائل استکمال نفسه، أو تسافلها و سقوطها.

إنّ الله الحکیم الذی یکون البشر جمیعاً عنده بمنزلة سواء، فهم جمیعاً مخلوقوه، و مربوبوه من دون إستثناء، فهو یحبهم جمیعاً، و یرید سعادتهم و کمالهم من دون تمییز، ولا مکان للأنانیة، و لضیق النظر، و العصبّیة فی ساحته المقدسة.

نعم إنّ الله وحدَه یمکنه أن یَسنَّ بَرنامجاً یکفل سعادة الانسان جَسَداً و روحاً، دنیاً و آخرةً، و أن یضعه فی متناول أیدی البشر عن طریق الأنبیاء الذین یصطفیهم و بختارهم بعنایة، هذا مع العلم بأنّ ألطافه المطلقة تقتضی أن یفعل مثل هذا العمل، ولا یحرم عباده من هذا الفیض العظیم.

إنّ الله الذی هیّأَ أسبابَ التکامل و الرشد، لجمیع أنواع الموجودات المادیة لیمکنّها من الوصول إلی کمالها المطلوب(1) عن طریق السعی و الحرکة، من غیر المعقول أن یُحرِمَ النوعَ الانسانیَ وهو الکائن المختار، و الموجود الفاعل بالإِرادة، من ذلک الفیض العظیم، ولا یهییّء له وسائل وصوله إلی الکمال المنشود.

إنَ الله تعالی الذی خَلَقَ الانسانَ بهذه الصورة الرائعة، و أودع فی خلق جسده و روحه آلاف الأسرار و الرموز، و سخّر لخدمته و مصلحته العالمَ المادیَّ باسره، لا یمکن (ولا یُعقَل) أن یغفل عن سعادته الحقیقیة، و کماله الواقعی، و غایته الوجودیة، و بالتالی لا یضع طریق الوصول الی الکمال المطلوب اللائق به، فی متناول یده.

من هنا یتحتم وجودُ الأَنبیاء فی حیاة البشر، و یصبح إرسال الرسُل أمراً ضروریّاً لا مندوحة منه فیختار الله لایصال رسالته إلی البشریة أشخاصاً و یبعث عن طریقهم البرامج و القوانین التی یحتاجون الیها.

إنّ الأنبیاء أشخاصُ مختارون أصفیاء من البشر یوصلون رسالات الله إلی الناس، و یقودونهم إلی السعادة و الکمال، و بحذّّرونهم من عوامل الشقاء و السقوط.

(یَبَنی ءَآدَمَ إِِمَّا یَأْتِیَنّکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَقُصّونَ عَلَیْکُمْ آیاتی فَمَنِ اتَّقَىَ‏ وَ أَصْلََحَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ وَالّذِینَ کَذّبُوا بِایتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا ْعَنْها أُوْلَئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیهَا خَلِدُونَ)(2)

(وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِینَ إِلاّ مُبَشِّرینَ وَ مُنْذِرِینَ فَمَنْ ءَامَنَ وَ أَصْلََحَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ وَالّذِینَ کَذّبُوا ْبآیتِنا یَمَسّهُمُ الْعَذابُ بِِما کانُوا ْیَفْسُقُونَ)(3)
(وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِی کُلّ‏ِ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اجْتَنِبُوا ْالطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقّتْ عَلَیْهِ الضّلالَةُ فَسِیرُوا ْفِی اْلأَرْضِ فَانْظُرُوا ْکَیْفَ کانَ عَقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ )(4)


فکّروا و أجیبوا

1ـ ما هی المواصفات و الشروط التی یجب توفُّرها فی من یضع برنامج السعادة للبشریة؟

2ـ لماذا لا یستطیع المقننون البشر أن یضعوا برنامج السعادة للبشریة؟

3ـ فمن یستطیع أن یضع برنامج السعادة للبشر إذنْ و لماذا؟

4ـ ما هی الوظیفة الملقاة علی عاتق الانبیاء و الرسُل؟

5ـ احفظوا الآیات.

 

1 ـ قال ربّنا الذی أعطی کلّ شیء خلقه ثمّ هدی (طه ـ 50).
2 ـ الأعراف ـ 35 ـ 36 .
3 ـ الانعام ـ 48 ـ 49.
4 ـ النحل ـ 36.