یمکن تقسیم الأحکام الصادرة عن النبی صلىاللهعلیهوآله الى نوعین : تشریعیة وولائیة ، والأحکام التشریعیة هی ما ینزل من الوحی الالهی مباشرة على النبی صلىاللهعلیهوآله وما على الرسول فی هذه الحالة الاّ البلاغ المبین.
وهذا النوع من الأحکام یؤلف الشریعة حیث لا یحق لأحد تشریع الأحکام الاّ هو سبحانه.
أما الأحکام الولائیة فهی الأحکام التی لم توحَ الى النبی صلىاللهعلیهوآله وانّما هی صادرة عن النبی صلىاللهعلیهوآله باعتباره حاکماً على الامة وولیّاً لأمرها وقد أجاز اللّه سبحانه للرسول صلىاللهعلیهوآله وفی حدود حاکمیته ومن أجل ادارة الشؤون الاجتماعیة وضع الأحکام والقوانین والعمل على تطبیقها فی واقع الحیاة من قبیل فرض الضرائب لتأمین نفقات الدولة الاسلامیة ، اعلان الجهاد والدفاع ، قرارات الحرب والسلام والعلاقات مع سائر الدول فی العالم
وکذا الأحکام القضائیة وحدود الملکیة العامة والملکیة الشخصیة وسلب الملکیة أو تحدیدها.
ولهذا فان النبی بمقدوره وانطلاقاً من السلطة المفوضة الیه سن مختلف القوانین حیث فوضت الیه صلاحیات واسعة.
وقد ورد فی القرآن الکریم قوله تعالى :
« النَّبِیُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ »[55].
ویستفاد من بعض الأحادیث ان النبی صلىاللهعلیهوآله مفوض أیضاً بسن الأحکام حتى فی العبادات والمسائل الفرعیة وابلاغها الى الامة.
یقول أبو بصیر :
« سألت أبا عبداللّه ( الامام الصادق علیهالسلام ) عن قول اللّه عزوجل : « أَطیعُوا اللّهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ » فقال :
نزلت فی علی بن أبی طالب والحسن والحسین :.
فقلت له : ان الناس یقولون : فما له لم یسمّ علیاً وأهل بیته فی کتاب اللّه عزوجل ؟
فقال : قولوا لهم : ان رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله نزلت علیه الصلاة ولم یسم لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتّى کان رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله هو الذی فسر ذلک لهم ونزل الحج فلم یقل لهم : طوفوا سبعاً حتى کان رسول اللّه هو الذی فسّر ذلک لهم ونزلت « أَطیعُوا اللّهَ وَأَطیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ » ونزلت فی علی والحسن والحسین علیهمالسلام فقال رسول
اللّه صلىاللهعلیهوآله : من کنت مولاه فهذا علی مولاه »[56].
ووفقاً لهذا القبیل من الأحادیث یمکن القول ان الأحکام الولائیة أوسع وأبعد من الأحکام الحکومتیة وتشمل أیضاً وضع الأحکام التکلیفیة وهذا الاحتمال وارد فی جمیع الأحکام الصادرة عن النبی صلىاللهعلیهوآله ما عدا الأحکام التی وردت فی القرآن الکریم أو أوحی للنبی بشأنها ، غیر ان لها الحجیة الشرعیة على کل حال شرط أن تکون صحیحة السند حیث یجب العمل بها شرعاً ، ذلک ان نصوص القرآن الکریم توجب اطاعة أوامر النبی صلىاللهعلیهوآله والانتهاء بنواهیه.
وقد صرّح القرآن الکریم بهذه الحقیقة فی قوله تعالى :
« ما ضَلَّ صاحِبُکُمْ وَما غَوى * وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إنْ هُوَ إلاّ وَحْیٌ یُوحى * عَلَّمَهُ شَدیدُ الْقُوى »[57].
جدیر ذکره ان الأحکام الولائیة للرسول صلىاللهعلیهوآله لا تصدر عن رغبة ومیول وأهواء وانما عن ادراک تام للمصالح الحقیقیة المترتبة على ذلک هذا الادراک الذی یستند الى الوحی الالهی والالهام الربانی والى شخصیة النبی صلىاللهعلیهوآله المنزه عن الخطأ والخطیئة والضلال وانما هو الوحی الذی یسدده.
عن ابن أذینة عن فضیل بن یسار قال سمعت أبا عبداللّه علیهالسلام یقول لبعض أصحاب قیس الماصر :
« إن اللّه عزوجل أدب نبیه فأحسن أدبه فلما أکمل له الأدب قال وإنک لعلى خلق عظیم ثم فوض إلیه أمر الدِّین والأمة لیسوس عباده فقال عزوجل ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا وإن رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله کان مسدداً موفقاً مؤداً بروح القدس لا یزلُّ و لا یخطئ فی شیء مما یسوس به الخلق فتأدب بآداب اللّه ثم إن اللّه عزوجل فرض الصلاة رکعتین رکعتین عشر رکعات فأضاف رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله إلى الرکعتین رکعتین و إلى المغرب رکعة فصارت عدیلة الفریضة لا یجوز ترکهن إلا فی سفر وأفرد الرکعة فی المغرب فترکها قائمةً فی السفر والحضر فأجاز اللّه له ذلک کله فصارت الفریضة سبع عشرة رکعةً ثم سن رسولاللّه صلىاللهعلیهوآلهالنوافل أربعاً وثلاثین رکعةً مثلی الفریضة فأجاز اللّه عزوجل له ذلک والفریضة والنافلة إحدى وخمسون رکعةً منها رکعتان بعد العتمة جالساً تعد برکعة مکان الوتر وفرض اللّه فی السنة صوم شهر رمضان وسن رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله صوم شعبان وثلاثة أیام فی کلِّ شهر مثلی الفریضة فأجاز اللّه عزوجل له ذلک وحرم اللّه عزوجل الخمر بعینها وحرم رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله المسکر من کلِّ شراب فأجاز اللّه له ذلک وعاف رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله أشیاء وکرهها لم ینه عنها نهی حرام إنما نهى عنها نهی عافة وکراهة ثم رخص فیها فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد کوجوب ما یأخذون بنهیه وعزائمه ولم یرخِّص لهم رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله فیما نهاهم عنه نهی حرام
ولا فیما أمر به أمر فرض لازم فکثیرالمسکر من الأشربة نهاهم عنه نهی حرام لم یرخِّص فیه لأحد ولم یرخِّص رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله لأحدتقصیر الرکعتین اللتین ضمهما إلى ما فرض اللّه عزوجل بل ألزمهم ذلک إلزاماً واجباً لم یرخِّص لأحد فی شیء من ذلک إلاّ للمسافر ولیس لأحد أن یرخِّص ما لم یرخِّصه رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله فوافق أمر رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله أمر اللّه عزوجل ونهیه نهی اللّه عزوجل ووجب على العباد التسلیم له کالتسلیم للّه تبارک وتعالى »[58] ».
عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبداللّه علیهماالسلام یقولان :
« إن اللّه تبارک وتعالى فوض إلى نبیه صلىاللهعلیهوآله أمر خلقه لینظر کیف طاعتهم ثم تلا هذه الآیة : « ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » »[59].
عن إسحاق بن عمار عن أبی عبد اللّه علیهالسلام قال :
« إن اللّه تبارک وتعالى أدب نبیه صلىاللهعلیهوآله فلما انتهى به إلى ما أراد قال له : « إِنَّکَ لَعَلى خُلُقٍ عَظیمٍ » ففوض إلیه دینه فقال : « ما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » وإن اللّه عزوجل فرض الفرائض ولم یقسم للجد شیئاً وإن رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله أطعمه السدس فأجاز اللّه جل ذکره له ذلک وذلک قول اللّه عزوجل : « هذا عَطاؤنا فَامْنُنْ أَوْأَمْسِکْ بِغَیْرِ
حِسابٍ » »[60].
الحسین بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء عن حماد بن عثمان عن زرارة عن أبی جعفر علیهالسلام قال :
« وضع رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله دیة العین ودیة النفس وحرم النبیذ وکل مسکر فقال له رجل : وضع رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله من غیر أن یکون جاء فیه شیء قال : نعم لیعلم من یطیع الرسول ممن یعصیه »[61].
[55]. الأحزاب 33: 6.
[56]. جامع أحادیث الشیعة: ج1، ص247.
[57]. النجم 53: 2 ـ 5.
[58]. الکافی: ج1، ص266 ـ 267.
[59]. المصدر نفسه.
[60]. المصدر نفسه.
[61]. المصدر نفسه.