پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الأئمّة والعلوم العقلية، دور العقل في معرفة الأخلاق

الانسان کائن عاقل یکتشف بعض المجاهل من خلال التفکیر والتأمل وترتیب القیاس البرهانی ومن خلال هذه الأدوات المنطقیة یکشف عن بعض الحقائق ویتوصل الى بعض النتائج القطعیة الکلیة.

فعلى سبیل المثال یدرک الانسان فی ذهنه مفهوم العلّة والمعلول ویعی ان لکل معلول علّة فی وجوده وانه قائم بها محتاج الیها واذن عندما یواجه وجود معلول فانه یحکم بشکل یقینی بحاجة ذلک المعلول الى علّة ثمّ یتحرّک للبحث عنها واکتشافها وهذه المسألة من ممیزات الکائن البشری الکبرى حیث یطلق علیها اصطلاحاً بالعقل النظری ففی اثبات الاصول العقائدیة یعنی اثبات وجود اللّه‏ ، المعاد والنبوة یستخدم الانسان هذا المنهج الاستدلالی کأداة للتوصل الى الحقیقة.
وکل انسان یتمتع بهذه الموهبة الالهیة الکبرى غیر ان وجودها یختلف من انسان الى آخر فالأنبیاء والأئمّة الأطهار یتبوؤن المرتبة العلیا من حیث القوى العقلیة.

جاء عن النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله قوله الشریف :
« ما بعث اللّه‏ نبیاً ولا رسولاً حتى یستکمل العقل ویکون عقله
أفضل من جمیع عقول اُمّته »[51].

ویتمتع النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله فی ادراک هذه الحقائق الکبرى بأعلى وأکبر وأعظم عقل بشری مکنه صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله وحتى قبل البعثة أن یتوصل الى وجود الخالق عزوجل وتسفیه عبادة الأوثان والأصنام.
ویمکن للعقل البشری أن یتوصل الى الایمان العقلائی الى مستوى الیقین لکنه لن یتجاوز المفهوم والعلم الحصولی.

أمّا النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله بعد البعثة المبارکة وارتباطه المباشر بعالم الغیب وتلقی الوحی فان علمه الحصولی بالمبدأ والمعاد قد اجتاز مرحلة المفهوم لیصل الى مرتبة الشهود والحضور حیث أمکنه فی هذا المقام أن یشاهد الحقائق التی لا یمکن مشاهدتها بالعلم المفهومی وهذا العلم الحضوری والمشاهدات الملکوتیة للنبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله یمکن أن تکون ظهیراً لعلومه العقلائیة.
ان للایمان والعلوم الوحیانیة آثار خاصّة قلّما تنطوی علیها العلوم العقلانیة ولقد کان الأئمّة المعصومون بشهادة التاریخ وما ترکوه من ارث حدیثی یتمتعون بعقول کاملة وکانوا فی القمم الشاهقة اذا أطلّ الانسان على عصورهم التی عاشوا فیها.

ولهذا فهم یستخدمون عقولهم الکاملة فی العلوم ذات الصلة بالمبدأ والمعاد کما کانوا منزّهین حتى قبل تصدیهم للامامة من کل الوان الشرک والکفر ولقد اصطفاهم اللّه‏ سبحانه للامامة کما اصطفى الأنبیاء من
قبل لا فرق بینهم الاّ فی تلقی الوحی المباشر فهم یتلقون الفیض الالهی عن طریق النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله ویتعلمون علوم الوحی من تلک المدرسة الکبرى ولذا فان علمهم بالمبدأ والمعاد یتجاوز العلم المفهومی ویصل الى مرتبة الیقین والشهود.
واحیاناً یخبرون عن بعض الحقائق المرتبطة بالمبدأ والمعاد على نحو کما لو انهم شاهدوها مشاهدة العیان وتجد لذلک امثلة عدیدة فی کتب الحدیث والسیرة والتاریخ.

یقول الامام علی علیه‌‏السلام فی هذا المضمار یصف علم الأئمّة علیهم‏السلام :
« هجم بهم العلم على حقیقة البصیرة وباشروا روح الیقین واستلانوا ما استوعره المترفون وانسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنیا بأبدان ارواحها معلّقة بالمحلّ الاعلى اولئک خلفاء اللّه‏ فی أرضه والدعاة الى دینه آه آه شوقاً إلى رؤیتهم »[52].

ویصفهم الامام فی مناسبة اخرى قائلاً :
« هم عیش العلم وموت الجهل ، یخبر حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم وصمتهم عن حکم منطقهم ولا یخالفون الحق ولا یختلفون فیه ، هم دعائم الاسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق الى نصابه وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدین عقل وعایة ورعایة لا عقل سماع وروایة ، فان رواة
العلم کثیر ورعاته قلیل »[53].

والأئمّة الأطهار علیهم‏السلام فی دعوتهم الى اصول العقیدة کالنبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله یسلکون المنهج العقلانی فی اقامة الدلیل والبرهان فی اثبات العقیدة الاسلامیة وهذا ما نراه واضحاً فی مناظراتهم وحواراتهم مع أصحاب الطرق والمذاهب ورؤساء الأدیان فهم یخاطبون الناس على قدر عقولهم وقد اُمر النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله بذلک کما ورد الحدیث الشریف ، ولهذا فهم یخاطبون العلماء بما یصعب على غیرهم فهمه وادراکه واحیاناً تأتی أحادیثهم بسیطة سهلة الفهم لأنهم کانوا یخاطبون عامة الناس وأکثرهم بسطاء.
وهذه حقیقة یمکن لمسها بوضوح فی نهج البلاغة وفی کتب الحدیث التی تشتمل على أحادیث الأئمّة علیهم‏السلام.

وعلیه یمکن اعتبار عقل المعصوم من مصادر علوم النبی صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله وان الاستدلال المنطقی والعقلانی هو أحد أسالیب التبلیغ لدى الأئمّة علیهم‏السلام وهم طبعاً منزهون من ارتکاب الاخطاء فی استخدامهم هذا الاسلوب.

دور العقل فی معرفة الأخلاق

فی باطن النفس الانسانیة قوى مودعة لو استخدمت على النحو الصحیح فانها تتعرف على الأخلاق الحسنة حیث الالتزام بها فی صالح المجتمع ومن کمالات النفس وکذا یمکنها معرفة الاخلاق السیئة حیث الاتصاف بها یلحق الأضرار بالمجتمع والفرد فی الدنیا والآخرة کما ان
اجتنابها أمر ضروری لازم وهذه القوة هی العقل العملی أو الوجدان الأخلاقی ویعدّ القرآن الکریم معرفتها من الامور الفطریة والارتکازیة للانسان وانها من خصائص الخلق.
جاء فی القرآن الکریم قوله تعالى :

« وَالشَّمْسِ وَضُحاها * وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها * وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها * وَاللَّیْلِ إِذا یَغْشاها * وَالسَّماءِ وَما بَناها * وَالْأَرْضِ وَما طَحاها * وَنَفْسٍ وَما سَوّاها »[54].
وهذه القوة الهامة موجودة لدى البشر جمیعاً حیث یمکن للانسان استخدامها فی اضاءة الطریق ، طریق الحیاة فهی أشبه بالنور الذی یشعّ ما لم تتغلب الغرائز الحیوانیة وتنطفئ هذه الشمعة ، فالانانیة والنرجسیة وحب الجاه والمقام والحرص والطمع والحقد ، وکل ما یمسخ انسانیة الانسان وتحیله الى حیوان کاسر وحینئذٍ ینطفئ نور الفطرة ؛ وبعدها لا یستطیع الانسان تشخیص الخبیث من الطیب والصحیح الصائب من الخطأ والخطیئة بل یحدث ما هو أسوأ عند ما یعتقد ان ما یقوم به من عمل قبیح هو أمر جید ویتصور الباطل حقاً والطالح صالحاً !

ولهذا فان الانسانیة بحاجة الى مرشد ودلیل وقائد وقدوة والى انسان کامل معصوم یوقظ الفطرة ویوقظ الضمیر ویعید للانسان توازنه العقلانی.
وهؤلاء الأنبیاء والأئمّة الأطهار یدرکون جیداً القیم الأخلاقیة العلیا
لما یتمتعون به من عقول کاملة ونفوس طاهرة ویعرفون آثار هذه القیم دنیویاً واخرویاً کما یعرفون الاخلاق السیئة ویشاهدون ببصائرهم الثاقبة آثارها الدنیویة والاخرویة فهم ینفرون منها وینفرون الناس أیضاً ویحذرونهم ویدعونهم الى التحلّی بالقیم الانسانیة الرفیعة.

وعلیه یمکن اعتبار العقل العملی والوجدان الأخلاقی مصدراً للعلوم الأخلاقیة للأئمة اضافة الى ما لدیهم من تراث الرسول صلى‌‏الله‏‌علیه‌‏و‏آله وکتاب اللّه‏ عزوجل وتشتمل کتب الحدیث على آلاف الأحادیث الأخلاقیة.

 

[51]. میزان الحکمة: ج3، ص203.
[52]. نهج البلاغة: کلام 147.
[53]. المصدر السابق: کلام 239.
[54]. الشمس 91: 1 ـ 7.