لیست الامامة مسألة قدیمة أکل الدهر علیها وشرب وانه لا طائل من وراء بحثها سیما وانها تؤدی الى اثارة النعرات الطائفیة.
وسواء کان علی الخلیفة الأول بعد النبی صلىاللهعلیهوآله أو الخلیفة الرابع ومع من کان الحق فانها قد أصبحت جزءً من التاریخ ولا صلة لها بالحاضر.
وفی معرض الاجابة عن هذه الأفکار فانه یمکن القول ان ما ورد فی هذه الدراسة سوف یثبت عکس ذلک.
وستکون مسألة الامامة واحدة من القضایا الاسلامیة والأکثر حیویة وانها ستبقى فی العصر الحاضر والعصور القادمة قضیة جوهریة ومصیریة ، تلقی بظلالها على جمیع أصعدة الحیاة.
ومن خلال نفس هذا المنحى فان مسألة معرفة الامام فی کلّ عصر واجب اسلامی حیث أکدت على ذلک الأحادیث الکثیرة وان ذلک یعد من علامات المؤمن ومقومات الایمان حیث اهمال هذه المسألة ضلالة وضیاع.
وهذه طائفة من الأحادیث:
قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله:
« من مات بغیر امام مات میتة جاهلیة »[1].
وقال صلىاللهعلیهوآله أیضاً:
« من مات وهو لا یعرف امامه مات میتة جاهلیة »[2].
وعن أحد أصحاب الامام الصادق علیهالسلام انه سأل الامام عن قول رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله:
« من مات ولیس له امام فمیتته میتة جاهلیة ».
قال علیهالسلام:
« میتة ضلال ».
قلت: فمن مات الیوم ولیس له امام فمیتته جاهلیة ؟
فقال علیهالسلام:
نعم[3].
وروى آخر عن الامام الصادق علیهالسلام انه قال:
« قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله من مات ولیس علیه امام فمیتته جاهلیة ».
فقلت: قال ذلک رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله ؟
فقال:
« اى واللّه قد قال ».
فقلت: فکل من مات ولیس له امام فمیتته جاهلیة ؟
قال:
« نعم »[4].
وهناک أحادیث أخرى کثیرة بهذا المضمون ویستفاد من هذه الأحادیث هو وجوب معرفة الامام وأن هذا فریضة على کل مسلم وهنا ینبثق سؤالان هامان: أحدهما ما هو المقصود من معرفة الامام ؟ وهل أن معرفة الامام تعنی التعرف على بطاقته الشخصیة ؟ أم ان المقصود والمراد شیء آخر ؟
والسؤال الآخر: ما هی جدوى معرفة الامام مع کلّ هذه التأکیدات التی نصّت على ذلک ؟ خاصّة وان عصر الامامة کما یبدو قد انصرم ومضى ولا یوجد فی عصرنا الحاضر شخص أو شخصیات یحتمل أن یکون أحدهم اماماً حتى یتوجب التحقیق والبحث فی ذلک لمعرفة الامام الحقیقی ؟ وفی ضوء هذه الظروف ألیس من المستحسن ان نترک هذه المسألة ونهتم بمسائل اخرى أکثر أهمیّة ؟
وفی الجواب عن هذه التساؤلات یمکن القول ان هذه الدراسة أیضاً سوف تتکفل فی بیان اهمیة الامامة فی الاسلام وانها تتمتع بموقع رفیع جداً وان الانسان الذی یتسنم هذا الموقع یجب أن یتمتع بشروط لیست عادیة وان الذین یجدر بم التمتع بهذا المقام الرفیع ینبغی أن تتوفر فیهم المواصفات التالیة:
1 ـ الاطلاع التام على جمیع العلوم والمعارف والأحکام والقوانین وأحکام الشریعة التی جاء بها الوحی من لدن اللّه عزوجل الى رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله یعنی ان الامام هو أمین وخازن علوم النبوّة ویتوجب أن یکون کذلک.
2 ـ ان الامام یجب أن یکون معصوماً عن الخطأ والزلل والنسیان فی أخذه العلوم والمعارف الدینیة وصیانتها والحفاظ علیها.
3 ـ ان الامام یجب أن یکون معصوماً عن ارتکاب الذنوب وانتهاک تعالیم الشریعة وأن یکون طاهراً یجسّد أحکام الشریعة فی سیرته ویکون قدوة فی أفعاله وأقواله وسلوکه وأخلاقه.
وعلیه فان معرفة الامام لا تنحصر فی التعرف على بطاقته الشخصیة ، بل ان هذه المعرفة تمتدّ الى ما هو أوسع من ذلک بکثیر یعنی وعی شخصیة الامام وادراک مقامه العلمی والأخلاقی وما یشتمل علیه من الصفات وما یتحلّى به من الفضائل والخصال.
ونظراً للاجابة عن السؤال الأوّل فان الاجابة عن السؤال الثانی تتضح أیضاً فاذا أدرکنا واعترفنا بضرورة أن یکون الامام خازناً وأمیناً على علوم الوحی والنبوّة فانه یتوجب حینئذٍ على کل مسلم الرجوع الى الامام والانتهال من ینبوع علمه وسیرته.
ومن هنا ندرک أیضاً وجوب التحقیق والاستطلاع ومعرفة الامام الحقیقی وذلک من أجل أخذ العلوم الدینیة منه وهذه المسألة غایة فی الضرورة حیث یتوجب على کلّ مسلم وعیها وادراک أهمیتها لأنّها تقرر مصیره فی الدنیا والآخرة.
من هنا نکتشف ان مسألة معرفة الامام لا تقتصر على عصر دون آخر ولیس لها زمن محدّد بل انها تشمل جمیع الأزمنة لأن الحاجة الیها قائمة فی کلّ عصر.
الیس من الضروری للمسلمین الیوم أن یعرفوا أحکام الاسلام الأصیل ؟ ألیس من الضروری أن یتعلموا هذه الأحکام ویعملوا بها ؟
ألم یأمرنا رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله بالتمسک بالقرآن وعترته أهل بیته وانهما المصدر والمرجع العلمی للمسلمین جمیعاً ؟
واذن یتوجب على المسلمین فی کلّ زمان ومکان معرفة مصادیق الامامة من عترة النبی صلىاللهعلیهوآله وآل بیته المعصومین علیهمالسلام ؛ علیهم أن یتعرفوا على سیرتهم وأخلاقهم وأحادیثهم وأن یقتدوا بأخلاقهم لأن الامام هو الانسان الوحید الذی انتخبه اللّه لقیادة امة الاسلام وانه الخلیفة الحقیقی للنبی صلىاللهعلیهوآله وله حق الحاکمیة وانه یوجود الامام لا یحق لغیره أن یقود المجتمع المسلم.
وعلى هذا الأساس یتوجب على المسلمین فی کل العصور أن یعرفوا امامهم وأن یمهدوا الظروف للتأسیس لحاکمیته لکی یعیدوا الحق الى نصابه.
ومن الواضح ان هذه المسألة لا تقتصر على زمان دون زمان ولا على بلد دون آخر لأن الحاجة الى قیام حکومة اسلامیة هی حاجة حقیقیة للامة الاسلامیة.
والکتاب الذی بین یدی القارئ الکریم موجه الى الشباب فقد
یعینهم فی هذا المضمار وقد نظم فی أربعة أقسام:
القسم الأوّل: تعریف الامامة ومزایا الامام.
القسم الثانی: أهل البیت علیهمالسلام فی القرآن والأحادیث.
القسم الثالث: التعریف بالأئمّة وأدلّة الامامة.
القسم الرابع: النصوص على امامة کلّ منهم.
وبیان جانب من فضائلهم ومکارم أخلاقهم وعلومهم وعبادتهم وسیرة وسلوک اولئک الأشخاص الذین اصطفاهم للّه للامامة من بین عباده وذلک لنقتدی بهم ونسیر على خطاهم.
وهذا القسم یشکل الجزء الهام من الکتاب.
آمل أن تعی امّتنا الاسلامیّة وخاصّة الشباب سیرة الأئمّة الأطهار علیهمالسلام وأن یستلهموا منها الدروس وأن یکونوا مثالاً لهم فی تجسید وتحقیق حیاة انسانیة کریمة وهذا هو المعنى الحقیقی للتشیّع والشیعة.
ابراهیم الأمینی
22/11/1387 ه. ش
[1]. مسند أحمد: ج4، ص96.
[2]. بحار الأنوار: ج23، ص67.
[3]. الکافی: ج1، ص376.
[4]. الکافی: ج1، ص376.