پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الطلاق.. هاجس الحل الكاذب

الطلاق.. هاجس الحل الکاذب

 

الشریعة الاسلامیة ترکت باب الطلاق مفتوحاً هذا صحیح، ولکن أدبیات هذه الشریعة السمحاء وصمته بأنه ابغض الحلال الى اللّه‏.

یقول الامام الصادق: «تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنَّ الطلاق یهتَزُّ منه العرش»[298].

ویقول فی مناسبة أخرى: «إنَّ اللّه‏ عزّ وجلّ یحبُّ البیت الذی فیه العرس ویبغض البیت الذی فیه الطلاق، وما من شیء أبغض إلى اللّه‏ عز وجل من الطلاق»[299].

ان مسألة الزواج لا تعنی اقتناء الفساتین وشراء الأحذیة، بحیث یمکن بعد شرائها رمیها بعیداً وشراء فستان أو حذاء آخر!!

الزواج یعنی عهد مقدس.. عهد یربط بین إنسانین اتفقا على أن یعیشا تحت سقف واحد، وأن یکون رفیقا درب فی رحلة العمر الطویلة.. هذا العهد الذی یلزمهما معاً بالوفاء حتى النفس الأخیر.

عندما تقول الفتاة لخطیبها: «نعم سأعیش معک».. فهذا یعنی انها ستترک أهلها وتنتقل الى عش الزوجیة، مع رجل یحمیها ویقف الى جانبها فی منعطفات الحیاة.. یعنی انها وثقت به وأهدته أغلى ما تملکه العذارى.


ومن أجل هذا العهد المقدس، یقوم الرجل باستقبال حبیبته وشریکة حیاته فیؤثث منزلاً مناسباً للحیاة الزوجیة.

کم أنفق من المال حتى أعدّ هذا المکان المناسب الذی سیکون عشاً لهما لأنهما سوف یعیشان معاً وقد عاهد أحدهما الآخر على الوفاء بالعهد.

ولذا فان الطلاق لن یکون منطقیاً ولا أخلاقیاً اذا جاء وفق رغبة شخصیة عابرة أو بذریعة ما.. لأن عقد الزواج لیس عقد تجاری یمکن فسخه لمجرّد قناعة شخصیة ورغبة طارئة.

ان هذا العقد المقدس یعنی التحام شخصین وروحین وقلبین، لیصبحا معاً کیاناً واحداً وقلباً متوحداً وروحاً جدیدة انصهرت بکلمة من اللّه‏..

ولذا فإن الطلاق لا یعنی فسخ عقد تجاری، وانما هو عملیة تمزّق روحی وعاطفی تترک آثاراً مدمّرة على الزوجین.

ومن المؤسف أن نرى أن هذا الحلال المبغوض شائعاً فی مجتمعاتنا الاسلامیة.. فخلال عشرة أعوام من 1957م ـ 1967م بلغت نسبة الطلاق فی مجموع الزیجات المسجّلة خلال هذه الفترة 25%[300].

الطلاق جائز ولکن فی موارده التی تسوّغه وجاء فی الأثر:

«أبغض الحلال عند اللّه‏ الطلاق»[301].

واکثر حالات الطلاق لا تملک المبررات والمسوّغات الکافیة.. بل ان أکثرها ناجم عن عناد صبیانی یستفحل؛ اما الاسباب من وراء ذلک فهی مجرّد ذرائع لا أکثر.


الطلاق هو هاجس الحل الکاذب حتى بعد أن تکون المشکلة مستعصیة وتغدو الحیاة فی نظر أحد الزوجین جحیماً لا یطاق!

لأنه مخطى‏ء من یتصور إن الطلاق یعنی الحلّ النهائی للمشکلات والحرّیة من أسر هذا (القفص) الذهبی!

السیدة «س» وهی فی الرابعة والعشرین من العمر: طلبت من زوجها أن یدعو أهلها الى ولیمة کبرى ولکن الزوج رفض ذلک فطلبت الطلاق[302].

وطلق رجل امرأته لأنها انجبت له خمس بنات[303] وطلبت امرأة الطلاق بعد أن لاحظت فی زوجها میولاً صوفیة وعزوفاً عن الحیاة العامّة[304].وبرّر رجل تطلیق امرأته لأنه یرید الزواج من امرأة ثریّة[305].

فیما تطلب امرأة الطلاق لأن زوجها یخفی نقوده فی بطانة جاکته.

مثل هذه الذرائع وغیرها وراء انهیار کثیر من الأسر والعوائل.

ولعل أهم نقطة یمکن اثارتها فی هذا الموضوع، هو اجتناب العجلة فعلى الطرفین أن یتأنّیا ویتریثا قبل اتخاذ مثل هذا القرار الخطیر.

واذا کانت هناک فرصة للتأمل والمراجعة فعلى الرجل والمرأة یأخذا بنظر الاعتبار هاتین النقطتین:

الأولى: ان هاجس الطلاق عادة یأتی من وراء تصوّر فی الزواج من آخر تتوفر فیه المواصفات المطلوبة.

إذ یخامر الرجل هاجس الزواج مرّة أخرى، ومن امرأة تتفق والشروط
المطلوبة.

المرأة أیضاً تعیش ذات هذه الأفکار والتصوّرات.. یخامرها احساس بأنها سوف تتزوّج من الرجل الذی تحب.

ولکن على الرجل وعلى المرأة أیضاً، أن ینتبها الى أن المطلّق والمطلّقة سلعة بائرة الى حدٍّ ما وغیر مرغوب فیها على الأقل.

ولا یتقدم رجل الى خطبة امرأة مطلّقة، إلاّ بعد أن یئس من العثور على الفتاة التی تقبل به.

أما الرجل الذی طلّق امرأته فانه عندما یتقدم الى خطبة فتاة، فان الأخیرة تتوجس خیفة منه لأنه قد یطلّقها فی المستقبل، ولذا فهی ترفض عادة خطبة هذا الرجل.. لأن أقل صفة تطلق علیه هی الغدر وعدم الوفاء.

ولذا فان حظهما فی الزواج مرّة أخرى سوف تتضاءل نسبته، وقد یبقیان الى آخر العمر دون زواج.. ویعیشا وحدة قاتلة، یرافقهما احساس بالغربة مدمّر.

ولنتصوّر مشاعر المرأة المطلقة من خلال هذا الخبر الذی نشرته الصحافة ویفید بانتحار امرأة مطلّقة فی لیلة زفاف أختها.. وترکت ابنها یبکی وحیداً[306].

ولنتصور عمق المرارة والخیبة التی تعیشها المرأة المطلّقة، بعد لجوئها الى بیت أهلها وقد اثبتت الحیاة انّ الأهل ینظرون الیها کغریبة تعیش عالة علیهم.

ویبقى للطلاق نافذته المشرعة والمشروعة فی حالات تتعرض فیها الأسرة الى التآکل من الداخل.. وبعد أن یقدم أحد الزوجین على عمل جنونی کالانتحار، فالطلاق هنا آخر الدواء.. وآخر الدواء الکی کما یقال!

ونحن اذا انتهجنا الشریعة السمحاء فی الزواج واستلهمنا ثقافة الاسلام فی
تشکیل الاسرة فان حالات الطلاق سوف تتراجع..

ولکن المؤسف حقاً ان الزواج یأتی أحیاناً فی ظروف غیر صحیحة، ولا حتى مشروعة فی بعض الاحیان.. کهذه الحالة التی ترویها فتاة فی ربیع العمر.

تقول هذه الفتاة وهی على سریر المستشفى بعد نجاتها من الانتحار: طلق أبی أمی وعمری سنة ونصف کما عرفت بعد ذلک.. وبعدها تزوّج أبی من امرأة أخرى.. کانت تضربنی کل یوم وتکوینی بأسیاخ الکباب.. کما حرمتنی من المدرسة وبعد أن بلغت من العمر 14 سنة اجبرونی على الزواج من رجل فی الخامسة والاربعین من العمر!! یعنی فی سن أبی أو أکبر[307].

هذا نموذج لابناء الطلاق وهناک نماذج کثیرة یضج بها معرض الطلاق المشؤوم:

«شنقت فتاة فی الثالة عشرة من العمر نفسها فی أحد البساتین.. یقول أخوها: بعد أن طلق أبی أمّنا تزوج من امرأة أخرى.. ثم تزوجت أمی من رجل آخر.. ثم توفی أبی بعد ذلک.. أختی لم تتحمل هذه الحیاة کانت تبکی کل یوم.. ثم رأیتها تتدلى من حبل مشدود الى الشجرة![308].

«وجد طفل فی الثامنة من العمر محروقاً فی منزله ثم اکتشف المحقق ان الطفل کان مشدوداً الى السریر.. واعترفت الأم أنها فعلت ذلک وذهبت مع زوجها الجدید فی نزهة»[309].

الأطفال هم الضحیة الأکثر مأساویة فی الطلاق فالطلاق یعنی بالنسبة لهم
عاصفة مدمّرة تعصف بحیاتهم.. وأطفال الطلاق یعیشون حالة رهیبة من الخوف والقلق وانعدام الثقة بأنفسهم وبالمجتمع.. وأطفال الطلاق یشعرون انهم بلا مأوى وأن أمنهم وحیاتهم ومستقبلهم على کف عفریت!

«لجأ أربعة أطفال 12 سنة، 9 سنوات، 6 سنوات، 4 سنوات الى مرکز الشرطة، وقال أکبرهم: طلق أبی أمنا.. نحن الآن بلا مأوى لا أمی تقبلنا ولا أبی[310].

کم من أطفال الطلاق یلجأون الى مراکز الشرطة قبل أن یضیعوا فی الشوارع والظلام؟!

وکم منهم یحظى بالرعایة المناسبة قبل أن یتشرّد فی حیاة قاسیة؟ ثم قد یحترف بعضهم الاجرام فی المستقبل وینتقم من المجتمع الذی نبذه!

فی تحقیق قامت به صحیفة «اطلاعات» فی مرکز اصلاح وتربیة الاطفال الجانحین ان 80% منهم کانوا ابناء الطلاق أو اطفال عاشوا فی کنف امرأة الأب[311].

أجل ان الطلاق یعنی القضاء على مستقبل الاطفال.. یعنی تشرّدهم ویعنی حرمانهم من النبع الفیاض، الذی یغمرهم بالحنان والدف‏ء والسلام.

سیدتی!

وأنت أیضاً یاسیدی!

لا تکونا أنانیین فتفکّران بنفسیکما فقط.. تذکرا ان لکما أطفالاً صغاراً ینظرون الیکما بأمل.. انهم یبتسمون بأمل للحیاة اذا ابتسم أحدکما للآخر،
وینتابهم الخوف والقلق اذا تشاجرتما فکیف اذا عصف بهم الطلاق؟!

انکما تدفعان بهم الى هاویة سحیقة مالها من قرار.. هاویة مترعة بالاخطار.. ملیئة بالأفاعی والثعابین.. حیث یکون احتمال نجاتهم صفراً أو أکثر من الصفر بقلیل.

سیدتی!

فکری قلیلاً قبل أن تتخذی قرار الانفصال.. وانظری فی عیون أطفالک قبل أن تغادری عش الزوجیة.

وأنت یا سیدی:

راجع کل حساباتک من جدید.. وادخل مصیر أطفالک الابریاء فی الحساب.. وهل ستجد عندها ان الطلاق فیمصلحتهم؟!

قلوب الاطفال من بلور.. فلا تحطموها!!

قلوب الاطفال حمائم سلام فلا تذبحوها من الورید الى الورید!!

ان الطریق الوحید أن تتفاهما.. أن تتحاورا أن تنبذا والى الأبد الأنانیة والنرجسیة..

سیدی خذی بید زوجک..

وأنت یا سیدتی شدّی على ید زوجک وانطلقا معاً.. انطلقا نحو حیاة دافئة.

النهایة

 

[298] وسائل الشیعة: 15/268.
[299] وسائل الشیعة: 15/267.
[300] جریدة اطلاعات: 26 بهمن 1350.
[301] مکارم الأخلاق: 248.
[302] جریدة اطلاعات 12 اسفند 1350.
[303] المصدر السابق 16 اسفند 1350.
[304] المصدر نفسه.
[305] المصدر نفسه 17 اسفند 1348.
[306] المصدر نفسه 17 اسفند 1348.
[307] جریدة کیهان 29 آبان 1348.
[308] جریدة اطلاعات 4 بهمن.
[309] المصدر السابق 7 خرداد 1349.
[310] المصدر السابق 18 بهمن 1348.
[311] المصدر نفسه 22 اسفند 1350.