فی ختام هذا البحث من الضروری الاشارة الى أن الامام وبکل ما یتمتع به من خصال أشرنا الیها آنفاً فهو کالنبی أیضاً بشر عادی من حیث الابعاد الجسمانیة وهو مخلوق کسائر المخلوقین وهو انسان محتاج فقیر إلى اللّه الغنی المطلق فی کل أفعاله وحرکاته وسکناته ، یطلب رزقه من اللّه الرزاق ویطلب حاجته من اللّه الفرد الصمد الذی یقصده المحتاجون یراجع الطبیب اذا مرض ویتناول الدواء للشفاء ویجری علیه من تأثیر الزمان وسنوات العمر فیهرم ویشیخ ویسلّم الروح حین یحین الأجل.
وقد أنزل اللّه عزوجل آیات بینات على رسوله الکریم لیبلغها الى الناس کافة.
قال تعالى :
« قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسی نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللّهُ وَلَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاَسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَما مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذیرٌ وَبَشیرٌ لِقَوْمٍ یُؤمِنُونَ »[116]
وهذه سیرة النبی صلىاللهعلیهوآله وسیرة الأئمّة من أهل بیته علیهم السلام یتوجهون الى اللّه سبحانه فی کل ما یصیبهم وما یعانونه ولم یتوسلوا الى غیره عزوجل بل اعلنوا ان التوسل بغیر اللّه یوجب عدم استجابة الدعاء ولم یرد أبداً انهم قالوا لأحد أن یتوسل بهم فی قضاء الحوائج بل قالوا مراراً وتکراراً ان الجأوا إلى اللّه فی طلب الحاجات لأن اللّه هو القادر المتعال ولا یقضی الحوائج إلاّ اللّه عزوجل.
هذه سیرة النبی صلىاللهعلیهوآله وسیرة أهل بیته من الأئمّة الأطهار وهذه نصوص من وصایاهم وأحادیثهم وأدعیتهم علیهم السلام :
قال أمیرالمؤمنین علی علیهالسلام یوصی ابنه الحسن علیهالسلام :
« واخلص فی المسألة لربک فان بیده العطاء والحرمان »[117].
وقال علیهالسلام فی نفس حدیثه أیضاً :
« وسألته من خزائن رحمته ما لا یقدر على اعطائه غیره من زیادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق »[118].
وقال علیهالسلام :
« فاعتصم بالذی خلقک ورزقک وسوّاک ».
وجاء فی دعاء للامام السجاد علیهالسلام :
« وَالْحَمْدُ للّهِِ الَّذى اُنادیهِ کُلَّما شِئْتُ لِحاجَتى، وَاَخْلوُ بِهِ حَیْثُ شِئْتُ لِسِرِّى بِغَیْرِ شَفیـعٍ فَیَقْضى لى حاجَتى، اَلْحَمْدُللّهِِ الَّذى لا اَدْعُو غَیْرَهُ، وَلَوْ دَعَوْتُ غَیْرَهُ، لَمْ یَسْتَجِبْ لى دُعآئى، وَالْحَمْدُ للّهِِ الَّذى لا اَرْجُو غَیْرَهُ، وَلَوْ رَجَوْتُ غَیْرَهُ، لَأَخْلَفَ رَجآئى »[119].
وقال الامام السجاد علیهالسلام أیضاً فی دعاء آخر :
« ومن توجه بحاجة الى أحد من خلقک أو جعله سبب نجاحها دونک فقد تعرّض للحرمان واستحق من عندک فوت الاحسان... وقلت سبحان ربی کیف یسأل محتاج محتاجاً وأنّى یرغب معدم إلى معدم »[120].
ونظراً الى الأحادیث والأدعیة المذکورة آنفاً ولمئات النصوص الاخرى فی هذا المضمار ممّا ورد فی الصحیفة النبویّة والصحیفة العلویة والصحیفة السجادیة والصحیفة الکاظمیة فانه لا یبقى مجال للشک فی ان النبی صلىاللهعلیهوآله والأئمّة الأطهار کانوا یراجعون اللّه عزوجل ویسألونه فی قضاء حوائجهم وطلب الخیرات من عنده وحده لا شریک له وان سیرتهم صلوات اللّه علیهم أجمعین تجسّد التوحید الخالص للّه
عزوجل وانهم فی ذلک القدوة للمؤمنین فی کل زمان ومکان.
ان اللّه عزوجل هو القادر المتعال وهو الفرد الصمد الغنی المطلق.
ونحن شیعة أهل بیت النبی صلىاللهعلیهوآله نترسم طریقهم ونخطوا على آثارهم ونؤمن بعقیدتهم بأن اللّه هو الخالق القهار والرب الجبار والیه تمتد أکف السائلین.
واننا عند ما ندعو فی ظلال مساجد آل النبی صلىاللهعلیهوآله وفی حرم الرسول وآل الرسول وعند ما تنهمر دموعنا ونقسم على اللّه بحقهم فاننا لا نعتقد باستقلالهم فی التأثیر ولا فی أنهم یقضون حوائجنا بل اننا ندعوا فی هذه الأماکن المبارکة حتى یستجیب اللّه دعاءنا ، لأننا لا نسأل غیره سبحانه فی کلّ زمان وکلّ مکان وما دموعنا وبکاؤنا وتوسلاتنا الاّ من أجله وفی سبیله وحده لا شریک له.
[116]. الأعراف 7: 188.
[117]. نهج البلاغة: کتاب 31.
[118]. المصدر السابق.
[119]. مفاتیح الجنان، دعاء أبی حمزة الثمالی.
[120]. الصحیفة السجادیة: دعاء 13.