سعى النبی صلىاللهعلیهوآله وخلال فترة الرسالة الى ترسیخ مودة ومحبة أهل البیت علیهم السلام فی نفوس وقلوب المسلمین وقد اشتملت أحادیث صلىاللهعلیهوآله فی ذلک على مفردات من قبیل « المودة » « المحبة » و « الحب » وعلى سبیل المثال ما ورد فی الروایة عن ابن عباس قال : لما نزلت « قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى » قالوا : یا رسول اللّه من هؤلاء الذین یأمرنا اللّه بمودتهم ؟ قال : علی وفاطمة وأولادهما[100].
وعن ابن عباس أیضاً قال : قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله :
« لا تزول قدما عبد یوم القیامة حتّى یسأل عن أربع : عن عمره فیما أفناه ، وعن جسده فیما أبلاه وعن ماله فیما أنفقه ومن أین اکتسبه وعن حبّنا أهل البیت »[101].
وعن ابن عباس أیضاً قال : قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله :
« مثل أهل بیتی کمثل سفینة نوح من رکبها نجا ومن تعلّق بها فاز ومن تخلّف عنها غرق »[102].
ولا یقصد النبی صلىاللهعلیهوآله من وراء هذه الأحادیث أن یظهر المسلمون حبّ أهل البیت بألسنتهم فقط ولا حتى اضمار هذا الحب فی القلب أیضاً فلیس هذا بأجر لرسالته ان شأن النبی صلىاللهعلیهوآله لأعلى من أن یطلب من المسلمین احترام ذریته وأبنائه وأن یؤدونهم بل ان المراد هو أن یتبع المسلمون أهل بیته وأن یقتدوا بهم فی سیرتهم وأن یأخذوا منهم العلوم والمعارف الدینیة وهذا المعنى تتجلّى واضحاً فی حدیث السفینة.
مودة أهل البیت
المودة بمعنى الحب والأحادیث التی اشتملت على مفردات محبّة وحب أهل البیت تعنی أیضاً المودة ومودة أهل البیت بلغت من الاهمیة فی الرؤیة الاسلامیة مستوى بحیث أصبحت اجراً للرسالة وأجراً للنبی صلىاللهعلیهوآله على حمله آخر الرسالات الالهیة.
وقد أوصى اللّه عزوجل الى النبی صلىاللهعلیهوآله أن یطلب من امته مودة أهل بیته جزاءً وأجراً على رسالته.
قال تعالى :
« ذلِکَ الَّذی یُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ الَّذینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فیها حُسْناً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ »[103].
وقد زخرت أحادیث النبی صلىاللهعلیهوآله بدعوته المسلمین الى مودّة أهل
البیت علیهم السلام والتمسک بهم لأنهم السبب فی النجاة والفوز.
قال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله :
« من أحب أن یتمسک بالعروة الوثقى فلیتمسک بحبّ علی وأهل بیتی »[104].
وقال صلىاللهعلیهوآله أیضاً :
« أول ما یُسأل عنه العبد حبّنا أهل البیت »[105].
وقال صلىاللهعلیهوآله أیضاً :
« من أحبنا أهل البیت حشره اللّه آمناً یوم القیامة »[106].
وقال صلىاللهعلیهوآله أیضاً وقد أخذ بید علی :
« من زعم أنه یحبنی ولا یحب هذا فقد کذب »[107].
وروی عن أمیرالمؤمنین علیهالسلام انه قال :
« قال النبی صلىاللهعلیهوآله أربعة أنا لهم شفیع یوم القیامة : المحبّ لأهل بیتی ، والموالی لهم والمعادی فیهم والقاضی لهم حوائجهم والساعی لهم فیما ینوبهم من امورهم »[108].
وروى اسماعیل بن عبدالملک قال : سمعت أبا عبداللّه علیهالسلام یقول ( إلى أن قال : ) :
« ما یقول أهل البصرة فی هذه الآیة « قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى » قلت : جعلت فداک انهم یقولون : انها لأقارب رسول اللّه صلىاللهعلیهوآله ، فقال علیهالسلام : کذبوا انما نزلت فینا خاصة فی أهل البیت فی علی وفاطمة والحسن والحسین أصحاب الکساء »[109].
وسأل عبداللّه بن عجلان الامام الباقر علیهالسلام عن القربى فی قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى » فقال علیهالسلام :
« هم الأئمّة »[110].
ومنهذه الأحادیث أعلاه وأحادیث کثیرة غیرها التی جاءت بشأن نزول آیة التطهیر ممّا أشرنا الیها فیما مضى فانه من الواضح جداً أن المراد من القربى هم أهل البیت علیهم السلام علی بن أبی طالب وفاطمة والحسن والحسین والأئمّة المعصومین من ذریة الحسین علیهم السلام.
وخلال فترة تاریخة طویلة کان الأئمة الکرام یصرحون مراراً وتکراراً بأنهم أهل البیت المقصودین فی آیة التطهیر وأنهم معدن العلوم النبویة ولم یحصل أن اعترض علیهم أحد أو أنکر علیهم شخص حتى من خصومهم وأعدائهم وانطلاقاً من هذه الآیة الکریمة فی وجود مودّة أهل البیت علیهم السلام تغنى الشعراء والأدباء فی مدیحهم وقصدوا افرحتهم للاعراب عن حبهم والتعبیر عن ولائهم.
والآن ینبغی أن نرى ما هو معنى المودة ؟ وکیف تتحقق وما هی آثارها ؟
ان المودة والمحبة تعنی الحب ، وهی حالة نفسیة یجد فیها المرء نفسه منجذباً فی أعماقه الى من یحب وهی علاقة قابلة للادراک لکنها غیر قابلة للتوصیف والحب على درجات ومراتب مختلفة وأعلى مراتب الحب تتجسّد فی العشق ویمکن أن تکون هذه العاطفة موجه للأشیاء وللأشخاص ولابد لهذه العلاقة من ملاک أما أن یکون فی الجمال أو فی تناسق الشکل أو فی الاخلاق الحسنة والسیرة المرضیة أو بفائدته لمن یحب.
ومن الآثار الهامة للمودة والحب هو سعی المحب الى حفظ المحبوب وتحقیق رضاه وقد یحصل احیاناً ان یفدی المحب محبوبه بالروح وهذه احدى علامات صدق المحبّة ومصداقیة العشق.
والاقتصار فی اظهار المودّة على اللسان من دون أیة حالة سلوکیة تعبر عن هذه العاطفة فان هذه علاقة خداع وکذب وقد وردت الاشارة الى هذه المفردات فی القرآن الکریم والأحادیث الشریفة والى بیان ان اللّه عزوجل یحب عباده أیضاً ولکنه غالباً ما یأتی ضمن الاشارة الى صفة من الصفات من قبیل « ان اللّه یحب المتقین » « یحب المتطهرین » « یحب المحسنین » « یحب التوابین » « یحب المتوکلین » « یحب الصابرین » « یحب المقسطین » و... ان اللّه عزوجل الذی أفاض نعمه على عباده یحب الطاعة منهم لیجزیهم على ذلک سعادة فی الدنیا والآخرة.
وحب اللّه لعباده یختلف عن حب الانسان لأن حب اللّه لیس احساساً نفسیاً فالذات الالهیة منزهة عن هذه الاعراض بل ان فیه یعنی افاضة الکمال على عبده.
کما ورد الاشارة فی القرآن عن حب العباد للّه سبحانه وتعالى.
یقول القرآن الکریم :
« یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤمِنینَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْکافِرینَ یُجاهِدُونَ فی سَبیلِ اللّهِ وَلا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤتیهِ مَنْ یَشاءُ وَاللّهُ واسِعٌ عَلیمٌ »[111].
ویقول أیضاً :
« قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونی یُحْبِبْکُمُ اللّهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحیمٌ »[112].
وعلى هذا فان الذین یدعون الحب للّه بألسنتهم ثم لا یتبعون أمره ولا ینتهون لنهیه فان هذا الحب کذب ولا یجدیهم شیئاً.
وهکذا الأمر بالنسیة لمودة ذی القربى وحب أهل البیت علیهم السلام لأن ذوی القربى ( الأئمّة المعصومین ) هم الامناء على الشریعة الاسلامیة وهم الامتداد الطبیعی للنبی صلىاللهعلیهوآله الذی طالما أکد على امّته فی اتّباع أهل بیته والاقتداء بهم والسیر على خطاهم والاّ فما معنى اعلان الحب باللسان ووجود صورة ذهنیة أو عاطفة قلبیة فقط ان الذین یعلنون حبهم لأهل البیت ولا یسیرون على هداهم فان هذا الحب کذب وخداع ولن یجدیهم هذا الحب شیئاً ولکن یکون سبباً فی نجاتهم وقد صرّح الأئمّة
أنفسهم بذلک وأکّدوا على هذا الموضوع الذی سنشیر الى امثلة مما قالوه فی هذا الصدد.
[100]. غایة المرام: ج3، ص233.
[101]. المصدر السابق: ص92.
[102]. ذخائر العقبى: ص20.
[103]. الشورى 42: 23.
[104]. بحار الأنوار: ج27، ص79.
[105]. المصدر السابق.
[106]. المصدر نفسه.
[107]. المصدر نفسه.
[108]. المصدر نفسه: ص85.
[109]. روضة الکافی: ص80.
[110]. الکافی: ج1، ص413.
[111]. المائدة 5: 54.
[112]. آل عمران 3: 31.