پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة


تختلف الأغراض عند من یقرءون التاریخ، وتراجم الرجال، وأعلام النساء.
فمنهم من یقرأ التاریخ لیستمتع، ویقضی ساعات الفراغ، ویحفظ ـ فی نفس الوقت ـ القصص العجیبة والحوادث الغریبة لیسردها فی المحافل والمجالس على الأصدقاء.
ومنهم من یقرأ التاریخ بإمعان و تروّ، ویطالع حیاة الرجال بدقة، لیستلهم دروس الحیاة، ویتعرف على مفاتیح التوفیق، وسرّ العظمة، فیقتص آثارها، ویستخرج العلل و الأسباب فی إخفاق الأمم والشخصیات، وانحطاطها، وانهیارها، وأفول نجمها، فَیَحْذَرْ منها ویُحَذِّرْ المجتمع أیضاً.


والذین، یقرءون حیاة الأنبیاء والمعصومین والأئمة علیهم السلام ورجال الدین، ینقسمون إلى مجموعتین أیضاً:
مجموعة لیس لها هدف أکبر من قتل الفراغ والتمتع بقراءة مناقب الأئمة والأنبیاء، وحفظ العجائب والغرائب، وسردها فی المجالس والمحافل، والاکتفاء بثواب الاستماع لفضائل أهل البیت علیهم السلام ومصائبهم.
والمجموعة الأُخرى: تقرأ حیاة المصطفین الأخیار لتعرف سرّ عظمتهم ومحبوبیتهم، وطریقة معیشتهم وسلوکهم وحیاتهم صراط الدین المستقیم ویأخذون منها دروس الحیاة. والمؤسف أنّ أکثر من یقرأ حیاة الأنبیاء والأئمة علیهم السلام هم من الصنف الأول، کما أنّ أکثر الکتب المؤلفة عنهم علیهم السلام تناسب ذوق المجموعة الأولى، فهی ملیئة بالقصص والروایات العجیبة والمغالیة أحیاناً، ولم تتعرض إلى سیرتهم الذاتیة وحیاتهم الاجتماعیة والسیاسیة إلاّ باختصار.
إنّ کل مسلم قد سمع أو حفظ قصة أو أکثر من تلک القصص العجیبة فی حیاة النبی صلّى الله علیه وآله والأئمة علیهم السلام، ولکنّه لم یطلع ـ کما ینبغی ـ على سیرتهم الذاتیة وسلوکهم الاجتماعی، وطریقة تعاملهم مع المجتمع، والأسرة، والخلفاء والسلاطین والظالمین.


وغرض المؤلف هو دراسة حیاة الزهراء علیها السلام دارسة تحلیلیة باللحاظ الثانی، فإذا ما سقط من القلم شیء من قصص حیاتها و مناقبها فلنا فی ذلک العذر لأنّ الغرض الأساسی هو دراسة أخلاق الزهراء علیها السلام وسلوکها وسیرتها الذاتیة ولیس الإحاطة بکل التفاصیل و الدقائق.


وللأسف فإن حیاة هذه المرأة العظیمة بقیت غامضة فی الظل، ولم یکتب عنها الکثیر فی مصادر وأمهات المراجع الإسلامیة، والسبب فی ذلک:
أولاًُـ لأنّ عمر الزهراء علیها السلام کان قصیراً ولم یتجاوز ١٨ سنة، ونصف هذه المدّة تقریباً کان قبل البلوغ ـ حیث لم یُلتفت إلى هذه الفترة جیداً.
ثانیاً ـ لأنّ الزهراء قضت أکثر حیاتها داخل البیت ـ باعتبارها امرأة ـ و نادراً ما کان یطلع أحد على حیاتها الداخلیة بشکل کامل.
ثالثاً ـ ما اهتم الناس فی ذلک الزمان بحیاة ابنة رسول الله صلّى الله علیه وآله ـ لأنّهم لم یدرکوا أهمیة ذلک ـ فما سجلوا جزئیات حیاتها و ما دوّنوها.


وعلى کل حال، فإنّ المؤلّف یسعى فی هذا الکتاب بالرغم من أنّ جزئیات حیاة تلک المرأة العظیمة لم تسجل وسیرتها الکاملة لم تدوّن ـ إلى رسم صورة مجسمة للزهراء علیها السلام من خلال تحلیل النصوص ودراستها، لذا قد نتجاوز طریقة المؤرخین ـ أی نقل ما یجری على الواقع فحسب ـ ونأخذ بالتجزئة والتحلیل والاستنتاج.


المرأة النموذجیة:


لقد شرّع الإسلام أحکاماً وقوانین ووضع مناهج کاملة لإعداد المرأة وتربیتها، وحفظ مصالحها ورعایة شؤونها ورقیّها، وبناء کیانها ـ ویمکننا مشاهدة المرأة المکرّمة، ونتائج التربیة الإسلامیة الرائعة من خلال التعرف على نساء صدر الإسلام، وربیبات الوحی والنبوة، ودراسة حیاتهن والاطلاع على میزاتهن.
ولا شک أنّ الزهراء علیها السلام ـ سیّدة نساء العالمین ـ مثال المرأة المسلمة، لأنّها المرأة الوحیدة التی عاشت فی ظل أبیها المعصوم، وزوجها المعصوم، وهی معصومة کذلک ، فالجوّ الذی ترعرعت وکبرت فیه الزهراء علیها السلام هو جوّ الطهارة والعصمة حیث قضت سنی الطفولة فی أحضان النبی الأکرم صلّى الله علیه وآله ـ الذی صُنع على عین الله ـ وسنی الزواج وإدارة البیت وتربیة الأبناء فی بیت ثانی أکبر شخصیة إسلامیة ـ علی بن أبی طالب علیه السلام ـ وقدّمت للمجتمع خلال هذه الفترة القصیرة من عمرها إمامین معصومین، الحسن والحسین علیهما السلام، وامرأتین شجاعتین مضحیتین، زینب وأم کلثوم.
فی مثل هذا البیت نجد الصورة الحیة المجسّدة للمرأة التی تعیش فی ظلّ الإسلام وقوانینه ومناهجه التربویة.


أسلوبنا:


الکتَّاب مجموعتان: فمجموعة تعتمد المصادر السنیة وصحاحهم فقط، وتمتنع عن المصادر الشیعیة تماماً ـ إذا انفردت بالروایة ـ و تسیء الظن بها.
ومجموعة أخرى تعتمد المصادر الشیعیة فقط، وتمتنع عن المصادر السنیة تماماً، إذا انفردت بالروایة.
وبرأی مؤلّف هذا الکتاب أن کلا المجموعتین وقعت فی الإفراط والتفریط، وتجاهلت حقائق کثیرة بدون مبرر، وذلک لأنّک تجد الکثیر من الحقائق فی کتب أهل السنة ولا تجدها فی کتب الشیعة، وکذلک العکس.
والشیعة أصحاب کتب أیضاً، وقد نهلوا الکثیر من الأئمة وأهل البیت علیهم السلام باعتبارهم مصادر العلم ومنابع الحکمة ـ کما قال النبی صلّى الله علیه وآله عنهم وعرفوا لدى الخلائق بذلک.
والمؤلِّفون الشیعة متقدمون من الناحیة الزمانیة على المؤلّفین السنة، وبعید عن الإنصاف، أنّ بعض المؤلفین یتجاهلون الکتب الشیعیة ویکتفون بنقل ما ورد فی مصادر أهل السنة، ویظنّون أن کتّاب المصادر السنیة موضوعیون یعشقون الحقیقة، ومنزّهون عن أیّ تعصّب وانحیاز، ویکتبون الحقائق والوقائع کاملة غیر منقوصة، فإن لم یذکروا حدثاً أو واقعة ما، فهی ـ إذن، غیر موجودة أساساً، فی حین أنّ هذا الأمر لیس صحیحاً البتة.


إذن فلندرس المصادر السنیة دراسة محایدة وموضوعیة، ویقاس بعضها إلى بعض، بل تقاس الطبعات المختلفة للکتاب الواحد بعضها إلى بعض، لیعرف هؤلاء أن حسن الظن ـ بهذا المستوى ـ لا أساس له، ولم یکن أولئک ـ جمیعاً ـ منزهین عن التعصب و الانحیاز والهوى.
وعلى هذا فإننا استفدنا من المصادر السنیة، والمصادر الشیعیة، واستفدنا من کتب الشیعة لوحدها فی بعض الموارد التی امتنع المؤلفون السنة عن ذکرها ـ لمصلحة ما ـ أو أنّهم أشاروا إلیها إشارة عابرة.
إبراهیم الأمینی
١٤١٠ هـ