الدرس الرابع: ضرورة اختيار «رؤية صحيحة عن العالم»

 الدرس الرابع
ضرورة اختیار «رؤیة صحیحة عن العالم»

فترة الشباب و البلوغ فترةٌ مصیریّةٌ و حسّاسةٌ جدّاً، و فی هذه الفترة تبدو الحیاة و کأنّها تبدأ و تتکون من جدید، و تتفتح طاقةُ العقل، و التفکر عند الانسان.

فی هذه المرحلة من العمر البشری یتأسس مستقبل الحیاة.. و علی الشباب ـ فی هذه المرحلة الخطیرة ـ أن یرسم مستقبله، و یبرمج له،... و انّ تفویت مثل هذه الفرضة الثمینة یستتبع خسائر و أضراراً لا یمکن ملافاتها، لأن الفرضة الفائتة، و العمر المنقضی لا یعودان مرّة اُخری أبداً.

إنّ الانسان کائنٌ عاقلٌ، عالمٌ، و لا یمکنه ان یکون کالحیوانات همائماً علی وجهه، تابعاً لغرائزه و رغباته النفسیّة فقط... بل یجب علیه ان یستفید من طاقة العقل، و یحدّد وظیفته الخاصّة فی هذا العالَم.. و یجب علیه ان یجد طریق انسانیته، و طریق الحصول علی سعادته الحقیقة.

إنّ الانسان العاقل العالِمَ لا یفوّتُ فرصة العمر الثمینة، بل یعتبر الأمرین التالیَین من أشدّ احتیاجاته ضرورةً، و یسعی إلی تحصیلهما و هما:

1ـ نظام فِکریّ صحیح

2 ـ برنامج متناسق مدروس

أنتم الآن قد دخلتم فی مثل هذه المرحلة الخطیرة المصیریة، و یجب أن تستفیدوا من هذه الفرصة استفادةً جیّدةً.. إنّ علیکم ان تعرفوا الهدفَ الحقیقیّ لهذه الحیاة، و تقرّروا لمستقبلکم .. و تجدوا طریق سعادتکم الحقیقة، و تسیروا بوعی و بصیرة کاملتین فی ذلک الطریق، و تجتهدوا فی الوصول إلی ذلک المقصد.

ولکنکم تعلمون ان انتخاب برنامج متناسق و محسوب، و الحصول علی طریق السعادة، یتبع عقیدة الانسان و نمط نظرته إلی الکون و الحیاة، فکلّ إنسان یحدّد هدفَ حیاته، و یرسم مسیرَتَه وفقاً لَمعرفته و نظرته إلی الحیاة و الوجود.. و کلَّما کانت معرفتنا و نظرتنا إلی قضایا الحیاة، و الوجود الاساسیة اکمل إستطعنا أن نتعرف علی هدف الحیاة، و نُوَفّق للبرمجة من أجل الوصول إلیه، بصورة أفضل و أحسن.

و علی العکس من ذلک، إذا کانت معرفتنا عن قضایا الوجود معرفةً خاطئة، و اذا اعتقدنا عقائَد باطلةً، فاننا سُنصاب أیضاً بالخطأ و الزلل فی اختیار الطریق و الهدف، و فی اختیار البرنامج، ثم نسقط فی النهایة فی ودیان الهلاک الأبدیّ.

و علی هذا الاساس فإن تقویة اُسس العقیدة، و اختیار نظرة عامّة إلی الحیاة اُولی ضرورات الانسان العاقل المفکِّر.. فلابدَّ لکلّ إنسانٍ عاقلٍ من أن یقوم فی اُولی مراحل حیاته و ایّام شبابه، بتقویة عقائده و اعتناقها عن وعی و بصیرة، و یدعم معتقداته بالاستدلال و البرهان.

و من خلال هذا الطریق یحرّر نفسَه من الحیرة و الضیاع، و من سلوک السُبُل الضالّة الخاطئة.

إنَّ التحقیق و التفحص، و الرغبة فی اکتشاف أسرار الوجود هو أساساً أمر فطری عند الانسان المفکر، فکیف یمکنه أن یصرف نظره عن هذا المطلب الطبیعی الفطری، و یخمد جذوة عقله، و مشعل فکره؟ اذا انه لو تجاهل هذه المطالب ما الذی یمیّزه عن سائر الحیوانات التی لاهم لها الا اشباع غرائزها و اطفاء رغباتها التافهة حینئذٍ؟

ماذا تعنی «النظرة إلی الحیاة»

إن ما یدور فی ذهن الانسان من تصوّر عن عالم الوجود هو الذی یُدعی بـ «النظرة العامّة إلی الحیاة و العالَم» و هی مجموعة من القضایا الاساسیة التی تعطی فی مجال الفکر ـ الاجابة علی التساؤلات التالیة:

هل هذا العالم وُجد بنفسه أم أنّ ذاتا أعلی خلقتَه و أوجدته من العدم؟ و اذا کان مثل هذا الخالق موجوداً حقاً فکیف یکون؟ و ما هی صفاته؟ و ما هو هدف من خلق الانسان و العالم؟ و هل تنتهی حیاة الانسان فی هذا العالم أم أن هناک عالماً آخر هو عالم الآخرة ینتقل الیه الانسان بعد الموت لیری نتیجة أعماله؟ و کیف یکون عالم الآخرة، و الجنة و جهنم؟

بل أیُّ کائِنٍ هذا الانسان، و ماذا اُودِع فی کیانه من القابلیات و المواهب؟ و هل للانسان فی هذه الحیاة وظیفة و مسؤولیّة؟...؟

و هل یستطیع الانسان أن ینظّم برنامجاً کاملاً لضمان سعادته الدنیویة و الاُخرویة؟ أو أنه لابدّ حتماً من أن یتَّبع برامج الانبیاء ـ الذین یرتبطون بخالق الکون عن طریق الوحی ـ و هدایاته؟ و من هم الانبیاء، و ما هی الخصائص التی یشترکون فیها؟...؟

هل من شخص عالمٍ قویٍّ مؤیَّدٍ من جانب الانبیاء، و من جانب الله لحفظ و تنفیذ أحکام الشرع و قوانینه تنفیذاً صحیحاً، و للقیادة، و لحفظ النظام الاجتماعی و اقامة العدالة فی المجتمع و مواصلة طریق الانبیاء؟...؟

إنّ إجابات الاشخاص علی هذه الاسئلة لیست علی نمط واحد، فسیعطی کل فریق أجوبة خاصة وفق عقیدته و نظرته الخاصة إلی الحیاة و الکون.. و تُشکل مجموعة تلک الاجابات نظاماً فکریاً یسمّی «النظرة العامّة إلی الحیاة».

ما هی الایدیولوجیة؟(1)

بعد انتخاب «النظرة العامة إلی الحیاة» یأتی دور الایدیولوجیة، و تُصطلح الایدیولوجیة علی البرنامج المتناسق الهادف، و المسلک العالم للحیاة، و النظام الفکری الذی یحدّد وظیفة الانسان.

و من هنا تکون «النظرة العامّة إلی الحیاة» بمثابة البنیة التحتیة، و الاساس و القاعدة، و تکون «الایدیولوجیة» بمنزلة البنیة الفوقیة و النتیجة.

یعنی ان انتخاب الایدیولوجیة یتوقف علی انتخاب النظرة العامة إلی الحیاة، و فی الحقیقة ان النظرة العامة إلی الحیاة هی المعرفة أو هی الرؤیة الکلیة عن «الوجود»، ولکن الایدیولوجیة تعنی المعرفة بالواجبات و الوظائف و ما یجب فعله، و ما یجب ترکه.. و القیم.

إنّ الاجابات التی یجب إعطاؤُها علی الاسئلة التالیة تسمّی إصطلاحاً «الایدیولوجیة».

ما هی وظیفتنا فی هذا العالم؟ ما هی مسؤولیتنا؟ فی أیّ شیء تتمثل معارف الانسان و یتمثّل کمالُه الحقیقی؟ أیّ شیء من الأعمال حَسَن، و أیٌّ منها سیّیء؟...؟ أیٌّ منها خیر، و أیٌّ منها شرٌّ؟ ما هی الأعمال التی یجب القیام بها و ما هی الأعمال التی یجب ترکها؟...؟

وجوب التحقیق و الحصول علی الجواب؟

إن مثل هذه التساؤلات تنطرح فی أذهانکم أنتم أیّها الطلبة الاعزاء، الذین بدأتم مرحلة الشباب، و هی تطلب إجابات مقنعة حتماً. و لا شک انکم تبحثون عن تلک الاجابات الصحیحة.

إنّ فترةَ الشباب فترة البحث و التحقیق و التساؤل، فترة انفتاح العقل، و تفتح الفِکر.. فترة تحصیل الایمان و العقیدة.. و لذا فانه یجب أن تمتلکوا فی هذه المرحلة رؤیةً صحیحة عن الکون، و أن تقوموا بتقویة معتقداتکم.. و إِنَّ علیکم أن تفکِّروا و تحقِّقوا، و تحصوا علی کل واحد من هذه التساؤلات إجابة صحیحة مقنعة.

و علی هذا فانَّ الحصول علی «نظرة عامّة إلی الحیاة» تَتَّسِم بالصحة و الواقعیة، و علی أیدیولوجیة واضحة و متینة، أولی من أیّ شیء آخر بالنسبة إلیکم... لأنکم عقلاء و أصحاب فکر.. و لا یسمح لکم عقلکم الباحث الفاحص أن تمرّوا علی هذه الاسئلة الاساسیة و الحیویّة مروراً عابراً.

إنّ المرور العابر غیر المکترث علی مثل هذه الاسئلة الاساسیّة الحیویة.. یجرّ الانسانَ إلی القلق و الاضطراب، و یجرّ حیاته إلی هوّة العبثیّة و الحیرة الرهیبة.

اُصول «النظرة العامّة الی الحیاة»

اُنظروا ثانیةً الی الاسئلة التی طُرِحت فی مبحث «النظرة العامة إلی الحیاة».. إنّه یمکن تقسیم تلک الاسئلة و نظائرها إلی خمسة أصناف:

1ـ الاسئلة التی ترتبط بمبدأ الوجود، و خالق العالَم و صفاته، و التی تسمّی بمسائل «معرفة الله».

2ـ الاسئلة التی ترتبط بمستقبل الانسان و حیاته بعد الموت، و التی تسمّی بمسائل «المعاد».

3ـ الاسئلة التی ترتبط بحاجة الانسان إلی برنامج متناسق، و الحاجة إلی الانبیاء، و الحاجة إلی قیادتهم، و توجیهاتهم، و إرشاداتهم، و التی تسمّی بقضایا «النبوّة».

4 ـ الاسئلة التی ترتبط بالقادة الآلهیین، الذین یعتبر وجودهُم أمراً ضروریاً لإِدارة المجتمع إدارةً عادلةً، و حفظ و تنفیذ القوانین السماویة، و هدایة البشر، و هذا هو ما یسمّی ببحث «الإِمامة».

5 ـ الاسئلة التی ترتبط بالبرنامج و التکالیف و المسؤولیات الدینیة، التی جاء بها الانبیاء.

و لقد نُظِّمَت دروس هذا الکتاب وفقاً لهذا التَریتب، و قُسِّمت إلی خمسة أقسام ستتعرفون علیها فی المستقبل ان شاء الله تعالی.
اجیبوا علی هذه الاسئلة

1ـ ماذا تعنی «النظرة العامّة إلی الحیاة» و علی أیّة اسئلة تجیب؟

2ـ ماذا تعنی «الایدیولوجیة» و علی أیّة اسئلة تجیب؟

3ـ ما هی العلاقة بین «النظرة العامّة إلی الحیاة» و بین «الایدیولوجیة»؟

4 ـ ما هی الاُصول الاربعة للنظرة العامّة إلی الحیاة؟

5 ـ لماذا یجب أن یختار الانسانُ نظرة عامّة إلی الکون و الحیاة؟

6 ـ ما هو اشدّ الامور ضرورةً للشباب، و لماذا؟

 

1 . الایدیولوجیة لغة اجنبیّة، ولکن تعارف علی استعمالها الخطباء و الکتاب، و قد استعملناها بنفس ذلک المعنی، و توضیحها هو کالتالی: انّ الایدیولوجیة لفظة مرکّبة من «أیده - لوجیا» یعنی الفکر، العقیدة، التصوُّر و «لوجیا» تعنی المعرفة و دراسة الرأی. و علی هذا الاساس یکون معنی الایدیولوجیة: علم العقیدة، علم الافکار، دراسة العقائد و التحقیق فیها، ولکن هذه اللفظة تستعمل فی المعنیین التالیین:
1ـ العقیدة و النظام الفکری الذی یتکفل ببیان الحقائق الخارجیة و هی ترادف معنیَّ لفظ: «النظرة العامّة».

2ـ النظام الفکری الذی یعیّن المسلَکَ العالم للحیاة، و وظائف الانسان، و ما یجب فعله، و ما یجب ترکه، و القِیَم و غیرها، و بهذا المعنی تکون من نتائج، و آثار النظرة العامّة للحیاة.

و فی هذا الدرس استعمل هذا اللفظ فی المعنی الثانی لا الأول.