المرجعية العلمية لائمة أهل البيت عليهم السلام

المرجعیة العلمیة

لائمة أهل البیت علیهم السلام

دراسة وجیزة حول حدیث الثقلین

لمؤلفه: الشیخ ابراهیم الامینى

الاستاذ و المحقق فى العلوم الاسلامیة

 

بسم الله الرحمن الرحیم

المرجعیة العلمیه للرسول الاعظم

بالاضافة لمکانة نبى الاسلام صلى الله علیه و آله فى ولایة و قیادة المسلمین فى المسائل السیاسیة و الاجتماعیة، کانت له المرجعیة العلمیة و الثقافیة و کان یسد احتیاجات المسلمین العقائدیة و الفقهیة و الاخلاقیة، و فى کافة المسائل العلمیة التى کانوا یواجهونها، کانوا یرجعون الى النبى(ص) بها و یأخذون منه الجواب، الذى کان یأتى بعضه عن طریق الوحى على شکل قرآن یکون فى ایدى المسلمین و البعض الاخر کان یتلقاه النبى(ص) عن طریق الوحى و یبلغه للمسلمین و قد جاء فى القرآن الکریم «و ما ینطق عن الهوى* ان هو الا وحى یوحى* علمه شدید القوى».[1]

ان الرسول الکریم کان یعلم بأن هذه الحاجة العلمیة حاجة دائمیة و ان المسلمین من بعد وفاته سیحتاجون الى مثل هذه المرجعیة العلمیة الصحیحة و الموثوق بها و ان النبتة الجدیدة للاسلام بدون مثل هذه القاعدة العلمیة الفتیة لا تستطیع أن تبقى ثابتة و شامخة و لا تستطیع أن تنتشر فى العالم.

 

المرجعیة العلمیه لاهل البیت

 

و لهذا السبب انتخب أهل بیته و زکاهم عند المسلمین بصفتهم مرجعا علمیا غنیا موثوق به یبقى دائما مع الکتاب السماوى کى یرفع حاجة المسلمین. و لهذا الخصوص فقد اوصى الرسول الکریم المسلمین مرات متعددة بذلک، و هذا موجود فى کتاب الشیعة و أهل السنة، و منه الحدیث المعروف بالثقلین. ان حدیث الثقلین هو واحد من الاحادیث المعروفة و المشهودة عند المسلمین و قد جاء فى عبارات مختلفة و بطرق متعددة نشیر الى بعض منها:

ینقل لنا مسلم بن الحجاج النیشابورى فى صحیحه عن زید بن الارقم(فى احد الاحادیث) قائلاً:

 

متن حدیث الغدیر

 

(قام رسول الله صلى الله علیه و سلم یوما فینا خطیبا بماء یدعى ضمّاً بین مکة و المدینة فحمد الله و اثنى علیه و وعظ و ذکر ثم قال: أما بعد أیها الناس فانما انا بشر یوشک أن یأتى رسول ربى فاجیب، أنا تارک فیکم الثقلین اولهما کتاب الله فیه الهدى و النور فخذوا بکتاب الله و استمسکوا به ـ فحث على کتاب الله و رغب فیه ثم قال ـ و أهل بیتى اذکرکم الله فى أهل
بیتى اذکر کم الله فى أهل بیتى، اذکرکم الله فى أهل بیتى).[2]

کما ینقل الحاکم النیشابورى عن زید بن الارقم قائلاً: قال: (لما رجع رسول الله صلى الله علیه و آله من حجة الوداع و نزل غدیر خم أمر بدوحات فقممن فقال کأنى قد دعیت فأجبت أنى قد ترکت فیکم الثقلین، احدهما أکبر من الاخر کتاب الله تعالى و عترتى فأنظروا کیف تخلفونى فیهما فانهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض. ثم قال ان الله عزوجل مولاى و أنا مولى کل مؤمن. ثم أخذ بید على رضى الله عنه فقال: من کنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه).[3]

و ینقل لنا أحمد بن یحیى البلاذرى عن زید بن الارقم قائلاً (کنا مع النبى(ص) فى حجة الوداع فلما کنا بغدیر خم أمر بدوحات فقممن ثم قام فقال کأنى قد دعیت فأجبت و ان الله مولاى و انا مولى کل مؤمن و أنا تارک فیکم ما ان تمسکتم به لم تضلوا: کتاب الله و عترتى أهل بیتى فانهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض، ثم أخذ بید على فقال: من کنت ولیه فهذا ولیه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه). قال أبو الطفیل قلت لزید: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله علیه و آله؟ قال: ما کان فى الدوحات
أحد الا و قد رأى بعینه و سمع باذنه ذلک.[4]

و ینقل ابن الاثیر عن زید بن الارقم قائلا قال رسول الله صلى الله علیه و سلم: أنى تارک فیکم ما أن تمسکتم به لن تضلوا احدهما اعظم من الاخر: کتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض و عترتى أهل بیتى و لن یفترقا حتى یردا على الحوض فانظروا کیف تخلفونى فیهما.[5]

و ینقل على بن أبى بکر الهیثمى عن زید بن ثابت قائلا قال رسول الله صلى الله علیه و آله: أنى تارک فیکم خلیفتین کتاب الله عزوجل حبل ممدود ما بین السماء و الارض أو ما بین السماء الى الارض و عترتى أهل بیتى و أنهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض.[6]

کما أن الهیثمى ینقل هذا المعنى بعبارات اخرى عن أبى هریرة و على بن أبى طالب و أبو سعید الخدرى و زید بن الارقم و حذیفة بن أسید الغفارى.

و ینقل أحمد بن على الخطیب البغدادى عن حذیفة بن أسید قائلا: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: یا أیها الناس أنى (فرط) لکم و انتم واردون على الحوض و أنى سائلکم حین تردون على عن الثقلین فانظروا
کیف تخلفونى فیهما: الثقل الاکبر کتاب الله سبب طرفه بید الله و طرفه بایدیکم فاستمسکوا به و لا تضلوا و لا تبدلوا.[7]

و یروى الامام أحمد بن حنبل عن أبى سعید قائلاً قال رسول الله صلى الله علیه و آله انى قد ترکت فیکم ما أن اخذتم به لن تضلوا بعدى الثقلین احدهما أکبر من الاخر کتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض و عترتى أهل بیتى ألا و انهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض.[8]

 

روات الحدیث

و مجمل القول فقد روى حدیث الثقلین عن رسول الله صلى الله علیه و آله بعبارات مختلفة و طرق متعددة بواسطة عدد من الصحابة الکبار منهم: زید بن الارقم، أبو ذر الغفارى، أبو سعید الخدرى، على ابن أبى طالب، زید بن ثابت، حذیفة بن الیمان، ابن عباس، سلمان الفارسى، أبو هریرة، جابر بن عبدالله، حذیفة بن أسید الغفارى، جبیر بن المطعم، الحسن بن على، فاطمة الزهراء، ام هانى بنت ابى طالب، أم سلمة، أبو رافع مولى رسول الله و غیرهم، کما هناک حدیث مشهور جاء فى روایة و هو أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان فى جمع من الناس، فنهض و طلب من الحاضرین أن یدلى کل
من کان حاضرا فى مناسبة غدیر خم و قد سمع حدیث الثقلین عن رسول الله صلى الله علیه و آله هناک، بشهادته عن ذلک فقام سبعة عشر شخصاً منهم و ادّوا بشهادتهم کخزیمة بن ثابت، سهل بن سعد، عدى بن حاتم، عقبة بن عامر، أبو أیوب الانصارى، أبو سعید الخدرى، أبو شریح الخزاعى، أبو قدامة الانصارى، أبو یعلى الانصارى، أبو هیثم التیهان.[9]

و یذکر أحمد بن حجر الهیثمى بأنه اکثر من عشرین نفر من صحابة رسول الله قد رووا حدیث الثقلین.[10]

و بالنسبة لحدیث الثقلین فقد نقل السید هاشم البحرانى فى کتابه غایة المرام39 حدیثا من کتب أهل السنة و 82 حدیثا من کتب أهل التشیع.[11]

 

من کتب اهل السنة

و بامکانکم أن تقرأوا حدیث الثقلین اضافة على ما مذکور فى کتب المراجع الشیعیة، فى کتب أهل السنة و نشیر الى بعض منها: الامام مسلم ابن الحجاج النیشابورى فى صحیح مسلم ج4 ص 1874، الامام أحمد ابن حنبل فى مسنده ج3، ص17، 26، 59 و ج4 ص366، 371 و ج5
ص181، 189 و الحاکم النیشابورى فى المستدرک ج3، ص109، 110، 126، 148. و ابن الاثیر فى اسد الغابة ج2، ص12.

على بن أبى بکر الهیثمى فى مجمع الزوائد، ج9، ص162.

الخطیب البغدادى فى تاریخ بغداد ج8، ص442.

أبو الفداء اسماعیل بن کثیر فى السیرة النبویة ج4ص416.

أحمد بن یحیى البلاذرى فى انساب الاشراف ج2ص110.

الامام فخر الرازى فى التفسیر الکبیر ج8ص163.

ابن الصباغ فى الفصول المهمة ص22.

موفق بن أحمد الحنفى الخوارزمى فى المناقب ص93.

سلیمان بن ابراهیم القندوزى فى ینابیع المودة ص31، 32، 33، 34، 35، 39، 40، 42، 44، 45.

محمد بن على الصبان فى اسعاف الراغبین المطبوع بهامش نور الابصار، ص110.

ابن الجورى فى تذکرة الخواص ص322.

محب الدین الطبرى فى ذخائر العقبى ص16.

محمد بن یوسف الزرندى الحنفى فى نظم درر السمطین، ص231 ـ 233.

على بن برهان الدین الحلبى فى السیرة الحلبیة ج3، ص308.

على بن حساب الدین المتقى فى منتخب کنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ج1ص96، 101 و ج2ص390 و ج5 ص95.

احمد شهاب الدین الخفاجى فى نسیم الریاض، ج3، ص410.

على المقارى فى شرح الشفا المطبوع بهامش نسیم الریاض ج3، ص410 و جماعة آخرون لم تتح الفرصة لدراسة کتبهم.

 

خلاصة ما یستفاد من حدیث الغدیر

و بهذا نستطیع أن نستخلص ثلاثة مواضیع مهمة جدا: الموضوع الاول و هو أن أهل البیت لهم المرجعیة العلمیة و الدینیة کالقرآن و قد عرفوا کمرجع علمى رئیسى و حجة شرعیة لازمة الاتباع و مهمین کالقرآن بدرجة أن اقوالهم و افعالهم کانت صحیحة مئة بالمئة و کل من یتبع اقوالهم و افعالهم لن یضل ابدا.

الموضوع الثانى ـ و کما أن القرآن سیبقى لدى المسلمین حتى یوم القیامة فان أهل البیت کذالک سیبقون بین الناس حتى یوم القیامة.

الموضوع الثالث ـ ان القرآن و أهل البیت لن یبتعدا عن بعض ابدا و لا یستطیع أى مسلم أن یتغاضى عن أهل البیت و یقول: حسبنا کتاب الله و
کذلک لا یستطیع أى مسلم أن یقول بأن وجود أهل البیت یکفینى و لا حاجة لى بالقرآن.

و یذکر احمد بن حجر الهیثمى قائلا: لقد سمى رسول الله صلى الله علیه و آله، القرآن و العترة ـ الاهل و الاقارب ـ بالثقلین لان کلمة الثقل تطلق على الشى‏ء الثمین الذى تتم المحافظة علیه جیدا و ان القرآن و العترة هما کذلک لان هذین الاثنین هما منجم العلوم الذاتیة و الاسرار و الحکم السامیة و الاحکام الشرعیة و لهذا السبب فقد حث الرسول الکریم الناس على الاقتداء و التمسک بهما.[12]

 

من هم اهل البیت

و الان یجب أن نرى من هم أهل البیت و العترة؟ ان لفظة أهل البیت تطلق على الاشخاص الذین یقیمون فى بیت واحد و یکونون تحت تکفل کبیر العائلة بالنسبة لاهل بیت النبى هل نستطیع أن نقول بان المراد من هذه التسمیة هو الاشخاص الذین یقیمون فى بیته و تحت تکفله؟

نظرا الى وجوب التناسب بین الحکم و الموضوع فان مثل هذا الاحتمال مستبعد لانه جاء ذکر أهل البیت فى هذه الاحادیث بصفتهم مرجعا علمیا و
دینیا مئة بالمئة و لا خطأ و لا ضل له فى اتباعهم و لهذا یجب اولا أن یکونوا عارفین باحکام الدین و ثانیا لدیهم الحصانة ضد اى خطأ و معصیة.

و هذه الصفة لم تکن موجودة فى کافة افراد عائلة النبى لهذا یجب أن یکون المقصود بأهل البیت افرادا معینین.

و لهذا السبب فقد جاء فى نهایة حدیث الثقلین المذکور بوسیلة زید ابن الارقم مایلى: سئل زید بن الارقم، من هم أهل البیت؟ هل المقصود نساء النبى؟ أجاب زید قائلا: لا و الله لان الزوجة تستطیع أن تعیش مع الرجل لفترة و بعدها تتطلق منه و تعود لبیت أبیها أو اقاربها فکیف تکون من اهل البیت؟ بل اهل بیت النبى هم اولاده الذین تحرم علیهم الصدقة.[13]

و فى هذا یکتب احمد بن حجر ایضا: ان الذین جاءت التوصیة على اتباعهم یجب أن یکونوا عالمین بکتاب الله و سنة نبیه لان مثل هؤلاء الاشخاص لا ینفصلون عن کتاب الله و لهذا لهم الافضلیة على کافة العلماء لان الله طهرهم من الرجس و خباثة الذنوب.[14]

و لهذا السبب جاء فى حاشیة بعض احادیث الثقلین مایلى: فلا تقدموهما فتهلکوا و لا تقصروا عنهما فتهلکوا و لا تعلموهم فانهم اعلم
منکم.[15] و کما أن رسول الله صلى الله علیه و آله قد زکى أهل البیت أیضا، و من الامثلة على ذلک.

عن ام سلمة قالت: فى بیتى نزلت انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت قالت فأرسل رسول الله صلى الله علیه و آله الى على و فاطمة و الحسن و الحسین فقال: هؤلاء أهل بیتى.[16]

عن عمر بن أبى سلمة ربیب النبى(ص) قال: نزلت هذه الایة على النبى «انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهرکم تطهیرا» فى بیت ام سلمة فدعا النبى(ص) فاطمة و حسنا و حسینا نجعلهم بکساء و على خلف ظهره ثم قال: هؤلاء أهل بیتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا قالت ام سلمة و أنا معهم یا رسول الله؟ قال: انت على مکانک الى خیر.[17]

عامرا بن سعد عن أبیه قال: لما نزلت هذه الایة: «تعالوا ندع أبناءنا و ابناءکم و نساءنا و نساءکم و انفسنا و انفسکم»دعا رسول الله صلى الله علیه و آله علیا و فاطمة و حسنا و حسینا رضى الله عنهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بیتى.[18]

عن عائشة قالت: خرج النبى(ص) غداة و علیه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن بن على فأدخله ثم جاء الحسین فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء على فأدخله ثم قال: «انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهرکم تطهیرا».[19]

و یستخلص من مثل هذه الاحادیث التى یوجد منها الکثیر بأن اهل البیت هم افراد معینین و هم على بن ابى طالب و فاطمة و الحسن و الحسین علیهم السلام الذین حددهم الرسول الکریم بهذا الاسم.

و هؤلاء الافراد قد ذکروا افرادا آخرین کمصادیق لاهل البیت و قد ذکروهم بصفتهم أئمة المسلمین و المراجع العلمیة و قد ذکرتهم کتب الحدیث عند الشیعة. اضافة الى ذلک فان الرسول الکریم صلى الله علیه و آله فى حیاته قد وضع و عدّ بعض خصوصیات و حتى اسماء هؤلاء کما هو مذکور فى کتب الحدیث عند الشیعة و للمثال على ذلک:

قال على علیه السلام: انشدکم بالله اتعلمون ان رسول الله صلى الله علیه و آله قام خطیبا لم یخطب بعد ذلک فقال: یا ایها الناس أنى تارک فیکم کتاب الله و عترتى اهل بیتى فتمسکوا بهما لن تضلوا فان اللطیف
الخبیر اخبرنى و عهد الى انهما لن یفترقا حتى یردا على الحوض فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال یا رسول الله اکل اهل بیتکم؟ فقال: لا ولکن اوصیائى منهم اولهم أخى و وزیرى و خلیفتى فى امتى و ولى کل مؤمن بعدى هو أولهم ثم ابنى الحسن ثم ابنى الحسین ثم تسعة من ولد الحسین واحد بعد و احد حتى یردوا على الحوض شهداء الله فى ارضه وحججه على خلقه و خزان علمه و معادن حکمته من اطاعهم فقد اطاع الله و من عصاهم فقد عصى الله فقال کلهم: نشهد أن رسول الله صلى الله علیه و آله قال ذلک.[20]

و ینقل ابراهیم بن محمد الجوینى قائلا: عن عبدالله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله علیه و آله یقول أنا و على و الحسن و الحسین و تسعة من ولد الحسین مطهرون معصومون.[21]

 

اشباه حدیث الثقلین

ان بحثنا لحد الان یدور حول حدیث الثقلین و لدینا احادیث اخرى تشبه حدیث الثقلین من حیث المضمون و نشیر هنا الى بعض منها حدیث السفینة.

ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله علیه و آله مثل أهل بیتى مثل سفینة نوح من رکب فیها نجى و من تخلف عنها غرق.[22]

وروى هذا الحدیث أیضا باسناد اخرى عن أبو سعید الخدرى و عبدالله بن الزبیر و أبوذر الغفارى عن النبى.[23]

و فى هذا الحدیث أیضا یزکى نبى الاسلام صلى الله علیه و آله أهل البیت بصفتهم مرجعا علمیا مؤیدا اقوالهم و افعالهم بصفتها حجة للمسلمین و یستفاد من الحدیث بان على المسلمین أن یتبعون اهل البیت و ان یعملوا بتعالیمهم حتى ینجوا من الضلالة و الضیاع و اذا ابتعدوا عنهم فسوف یقعون فى الضلالة و الضیاع و هذا موضوع یختلف عن امامة و ولایة اهل البیت و بموجب هذه الاحادیث فان على المسلمین أن یرجعوا الى أهل البیت فى تعلمهم للاحکام و التعالیم الدینیة حتى ولو لم یعترفوا بامامتهم و لکن یجب أن یتعلموا دینهم من هؤلاء.

 

العلوم الرسالیة عند على بن أبى طالب

لم یتخذ رسول الله صلى الله علیه و آله هذا القرار فجاة و بدون اعداد المقدمات له و لکنه کان یشعر بضرورة مثل هذا العمل لذا فقد اعد له
المقدمات تدریجیاً کان یعلم جیدا بان بقاء و انتشار الاسلام یحتاج الى مرجع علمى قوى یقوم بتسجیل و حفظ کافة احکام و قوانین و معارف الدین و یصونها من اى خطأ او التباس حتى یکون بامکان المسلمین الرجوع الى هذا المرجع عند الحاجة.

کان رسول الله یعلم بان المسلمین فى تلک الظروف الصعبة و المتأزمة فى صدر الاسلام لم یکن لهم الاستعداد الکافى لکى یتعلموا مجموعة القوانین و الاحکام و المعارف الدینیة بصورة کاملة او یسعوا للحفاظ علیها و ان الاحکام الالهیة یجب أن تحفظ فى مکان امین و موثوق به و لهذا فقد انتخب الرسول على بن ابى طالب لهذا الغرض و وضع تحت تصرفه العلوم الدینیة تدریجا و هذا الامر کان تکلیفا من عدالله.

عن على بن ابى طالب قال: ضمنى رسول الله صلى الله علیه و آله و قال لى: ان الله أمرنى أن ادنیک و لا اقصیک و أن تسمع و تعى و حقا على الله أن تسمع و تعى فنزلت هذه الایة «و تعیها اذن و اعیة».[24]

ابن عباس عن النبى (ص) انه قال و لما نزلت «و تعیها اذن واعیة» قال النبى(ص): سألت ربى عزوجل أن یجعلها اذن على قال على علیه السلام ما
سمعت من رسول الله شیئا الا و حفظته و وعیته و لم انسه مدى الدهر.[25]

ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله لما صرت بین یدى ربى کلمنى و ناجانى فما علمت شیئا الا علمته علیا فهو باب علمى.[26]

قال على علیه السلام: و قد علمتم موضعى من رسول الله صلى الله علیه و آله و بالقرابة القریبة المنزلة الخصیصة وضعنى فى حجره و أنا ولد یضمنى الى صدره و یکنفنى فى فراشه و یمسنى جسده و یشمنى عرقه و کان یمضغ الشى‏ء ثم یلقنیه و ما وجد لى کذبة فى قول و لا خطلة فى فعل و لقد قرن الله به صلى الله علیه و آله من لدن أن کان (عظیما) اعظم ملک من ملائکته یسلک به طریق المکارم و محاسن الاخلاق لیله و نهاره و لقد کنت اتبعه اتباع الفصیل اثر امه یرفع لى فى کل یوم من اخلاقه علما و یأمرنى بالاقتداء به و لقد کان یجاور فى کل سنة بحراء فأراه و لا یراه غیرى و لم یجمع بیت واحد یومئذ فى الاسلام غیر رسول الله(ص) و خدیجة و أنا ثالثهما أرى نور الوحى و الرسالة و اشّم ریح النبوة و لقد سمعت رنة الشیطان حین نزل الوحى علیه فقلت یا رسول الله ما هذه الرنة فقال شیطان آیس من عبادته انک تسمع ما اسمع وترى ما أرى الا انک لست بنبى لکنک وزیر و انک لعلى
خیر.[27]

قیل لعلى علیه السلام: مالک اکثر اصحاب رسول الله حدیثا؟ قال: انى کنت اذا سألته انبأنى و اذا سکت ابتدائنى.[28]

و قال على علیه السلام: (فى حدیث) و قد کنت أدخل على رسول الله صلى الله علیه و آله کل یوم دخلة فیخلینى فیها ادور معه حیث‏دار و قد علم أصحاب محمد انه لم یصنع ذلک بأحد من الناس غیرى فربما کان فى بیتى یأتینى رسول الله اکثر ذلک فى بیتى و کنت اذا دخلت علیه بعض منازله اخلانى و اقام عنى نسائه فلا یبقى عنده غیرى و اذا اتانى للخلوة معى فى منزلى لم تقم عنى فاطمة و لا احد من بنى و کنت اذا سألته اجابنى و اذا سکت عنه و فنیت مسائلى ابتدانى فما نزلت على رسول الله آیة من القرآن الا اقرئنیها و املاها على فکتبتها بخطى و علمنى تأولیها و تفسیرها و ناسخها و منسوخها و محکمها و متشابهها و خاصها و عامها و دعا الله ان یعطینى فهمها و حفظها فما نسیت آیة من کتاب الله و علما املاه على و کتبته منذ دعا الله لى بما دعا و ما ترک شیئا علمه الله من حلال و حرام و لا أمر و
لا نهى کائن أو یکون و لا کتاب منزل على أحد قبله من طاعة او معصیة الا علمنیه و حفظته فلم أنس حرفا و احدا ثم وضع یده على صدره و دعا الله لى أن یملا قلبى علما و فهما و حکما و نورا فقلت یا نبى الله بأبى انت و امى منذ دعوت الله لى بما دعوت لم أنس شیئا و لم یفتنى شى‏ء لم اکتبه افتخاف على النسیان فیما بعد فقال: لا لست اتخوف علیک النسیان و الجهل.[29]

قال على علیه السلام و الله ما نزلت آیة الا و قد علمت فیما نزلت و على من نزلت ان ربى و هب لى قلباً عقولا و لسانا ناطقا.[30]

نستخلص من هذه الاحادیث بأن رسول الله صلى الله علیه و آله بذل عنایة خاصة فى تعلیم و تربیة على بن أبى طالب و لهذا السبب فقد قربه الیه و کل ما کان یستلمه من الله بواسطة الوحى کان یضعه تحت تصرفه و کان قد طلب من الله عزوجل أن یجعل علیا حافظا لکل العلوم بأن لا ینسى منها شیئا و قد لبى الله له طلبه و لهذا لم ینس الامام على علیه السلام شیئا.

 

على مدینة العلم کما أکد النبى الکریم

و نتیجة للموهبة الذاتیه للامام على(ع) و رعایة رسول الله (ص) و التوفیقات الالهیة کل هذه جعلته یبدو کمدینة للعلوم الالهیه و هو موضوع
أکده رسول الله صلى الله علیه و آله فى مناسبات عدیده و للمثال على ذلک: قال النبى صلى الله علیه و آله: لیهنئک العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا و نهلته نهلا.[31]

و قال رسول الله(ص): انا مدینة العلم و على بابها فمن اراد العلم فلیأت الباب.[32]

قال رسول الله صلى الله علیه و آله: یا على أنا مدینة العلم و انت بابها کذب من زعم أنه یصل الى المدینة الا من قبل الباب.[33]

قال رسول الله صلى الله علیه و آله: أنا دار الحکمة و على بابها.[34]

سلمان الفارسى عن النبى صلى الله علیه و آله انه قال: اعلم امتى من بعدى على بن ابى طالب.[35]

عبدالله قال کنت عند النبى صلى الله علیه و آله فسئل عن على علیه السلام فقال: قسمت الحکمة عشرة اجزاء فاعطى على تسعة اجزاء و الناس جزءا واحدا.[36]

أنس بن مالک قال: ان النبى صلى الله علیه و آله قال لعلى انت تبین لامتى ما اختلفوا فیه بعدى.[37]

عن ابى سعید الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله علیه و آله: ان اقضى امتى على بن أبى طالب.[38]

عن سلمان الفارسى عن النبى(ص) انه قال: اعلم امتى من بعدى على بن ابى طالب.[39]

 

کان یدون العلوم لکى تبقى لکافة الائمة من بعده

کان على بن ابى طالب علیه السلام معصوما من اى خطأ او نسیان و عند تسجیل الاحادیث لم یکن یحتاج الى کتابتها و لکنه کان مکلفا من قبل رسول الله أن یدون کل ما یسمعه فى کتاب معین حتى یبقى للاخرین من بعده.

قال على(ع): قال رسول الله صلى الله علیه و آله: یا على اکتب ما املى علیک قلت یا رسول الله اتخاف علىّ النسیان؟ قال: لا و قد دعوت الله عزوجل أن یجعلک حافظا و لکن اکتب لشرکائک الائمة من ولدک.[40]

کما أن على بن ابى طالب علیه السلام و بتکلیف من رسول الله کان یدون العلوم ایضا فى کتاب معین و هذه هى نفس الکتب التى بقیت لکل الائمه و کانوا ینقلون عنها و فى بعض الاحیان کانوا یشیرون الیها: فى کتاب على أو فى الصحیفة او الجامعة ذکر کذا او قرأت فى کتاب على و على سبیل المثال: محمد بن الحکم عن أبى الحسن علیه السلام قال: انما هلک من کان قبلکم بالقیاس ان الله تبارک و تعالى لم یقبض نبیه حتى اکمل له جمیع دینه فى حلاله و حرامه فجاءکم بما تحتاجون الیه فى حیاته و تستفنون به و بأهل بیته بعد موته الى ان قال: ثم قال: ان أبا حنیفة ممن یقول: قال على و أنا قلت.[41]

عذافیر الصیر فى قال: کنت مع الحکم بن عیینه عند أبى جعفر علیه السلام فجعل یسأل و کان أبو جعفر علیه السلام له مکرما فأختلفنا فى شى‏ء فقال أبو جعفر یا بنى قم فاخرج کتابا مدروجا عظیما ففتحه و جعل ینظر حتى اخرج المسألة فقال أبو جعفر: هذا خط على و املاء رسول الله صلى الله علیه و آله و اقبل على الحکم و قال: یا ابا محمد اذهب انت و سلمه و ابو المقدام حیث شئتم یمینا و شمالا فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم
کان ینزل علیهم جبرئیل.[42]

سأل زرارة أبا عبدالله علیه السلام عن الصلواة فى الثعالب و الفنک و السنجاب من الوبر فاخرج کتاباً زعم انه املاء رسول الله صلى الله علیه و آله ان الصلواة فى وبر کل شى‏ء حرام اکله فالصلواة فى وبره و شعره و جلده و بوله و روثه فکل شى‏ء منه فاسد.[43]

بکر بن کرب الصیر فى قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: انه عندنا ما لا نحتاج الى الناس و انهم لیحتاجون الینا و انّ عندنا کتابا املاء رسول الله صلى الله علیه و آله و خط على صحیفة فیها کل حلال و حرام.[44]

و مثل هذا الاحادیث کثیرة فى کتب الشیعة و نکتفى بهذا القدر منها.

و کما لا حظتم یمکن أن نستنتج من الاحادیث المذکورة بان الائمة أهل البیت و ابناء النبى کانت لدیهم کتب و صحائف من املاء رسول الله و بخط على علیه السلام و کانت کافة المتطلبات العلمیة و الدینیة للناس مسجلة فى هذه الکتب و کان یستفید منها أهل البیت و فى اوقات الضرورة کانوا
یستشهدون بما فیها.

کان الرسول الاکرم و الائمة علیهم السلام یبذلون عنایة کاملة لاعداد و تسجیل هذه الکتب بموجب التکلیف الالهى و البرنامج المعد من قبل و بهذا کانوا یلتمسون هدفین کبیرین و هما:

الهدف الاولى هو الحفاظ على علوم الدین و ابقاؤها بعیدة عن تطاول الحوادث لکى تبقى دائما محفوظة للمسلمین عند ائمة أهل البیت على شکل کتب مدونة بصفتها مصدر اسلامى مهم املاها رسول الله و کتبها على (ع) حتى یرجعوا الیها عند الحاجة.

الهدف الثانى للنبى هو جلب انتباه المسلمین نحو اهل البیت الذین هم من احسن قادة الدین و المحافظین على علوم النبوة لان لدیهم کتب جامعة و مهمة لا توجد عند غیرهم حتى یتجه المسلمون الیهم فى تعلمهم لاحکام و قوانین الشریعة و المعارف و علوم الدین و یستفیدوا من علومهم لانها علوم موثوق بها مئة بالمئة و هذه الوسیلة فقد مهد الرسول الکریم الطریق لتثبیت المرجعیة العلمیة لاهل البیت.

 

نقل الحدیث عن طریق الاباء

کان ائمة أهل البیت أى على بن ابى طالب علیه السلام و احد عشر اماما
من نسله ینقلون احادیثهم بصورة مباشرة او غیر مباشرة عن النبى الاکرم صلى الله علیه و آله اى ان کل هذه الاحادیث التى وضعها رسول الله تحت تصرف على بن ابى طالب علیه السلام وضعها الامام على تحت تصرف الامام الحسن و هذا بدوره وضعها تحت تصرف الامام الحسین و بهذه الطریقة کانت تحت تصرف الائمة واحدا و احدا و هذه الصورة کان کل امام یروى احادیثه عن آبائه حتى یصل الى للرسول الکریم(ص) و ان ائمة أهل البیت انفسهم قد صرحوا بذلک و على سبیل المثال:

جابر عن ابى جعفر علیه السلام قال: یا جابر انا لو کان نحدثکم برأینا لکنا من الهالکین و لکنا نحدثکم باحادیث نکنزها عن رسول الله صلى الله علیه و آله کما یکنز هؤلاء ذهبهم و فضتهم.[45]

داود بن ابى یزید الاحول عن ابى عبدالله علیه السلام قال: سمعته یقول: انا لو کنا نفتى الناس برأینا و هو انا لکنا من الهالکین لکنها آثار من رسول الله صلى الله علیه و آله اصل علم نتوارثها کابر عن کابر، نکنزها کما یکنز الناس ذهبهم و فضتهم.[46]

هشام بن سالم و حماد بن عثمان و غیره قالوا: سمعنا أبا عبدالله علیه
السلام یقول: حدیثى حدیث أبى و حدیث أبى حدیث جدى، و حدیث جدى حدیث الحسین، و حدیث الحسین حدیث الحسن، و حدیث الحسن حدیث أمیر المؤمنین و حدیث أمیر المؤمنین حدیث رسول الله صلى الله علیه و آله و حدیث رسول الله قول الله عزوجل.[47]

جابر قال: قلت لابى جعفر علیه السلام اذا حدثتنى بحدیث فاسنده لى فقال علیه السلام: حدثنى أبى عن جدى رسول الله(ص) عن جبرئیل عن الله عزوجل و کلما احدثک بهذا الاسناد ثم قال: یا جابر لحدیث واحد تأخذه عن صادق خیر من الدنیا و ما فیها.[48]

 

خلاصة الکلام

نستخلص من مجموع الاحادیث الماضیة مایلى:

1. علم رسول الله صلى الله علیه و آله على بن ابى طالب علیه السلام کافة العلوم و المعارف و الاحکام و القوانین الدینیة تدریجا طوال فترة نبوته و ذلک وفق برنامج دقیق و مدون و قد بذل اقصى جهده فى تعلیمه و تربیته و بهذه الوسیلة وفر کافة الاحتیاجات العلمیة للمسلمین و قد حفظ هذه العلوم و المعارف الدینیة کافة فى مکان موثوق به.

2. و کذلک فان الامام على بن ابى طالب علیه السلام و نتیجة لموهبته و کفاءته الذاتیة و دعاء رسول الله و سعیه وجدیته فقد تعلم کافة العلوم و المعارف الدینیة من الرسول (ص) و حفظها و لم ینسى شیئا منها و لهذا اصبح خزانة لعلوم النبوة.

3. کان على بن ابى طالب(ع) یحفظ علوم النبوة بطریقتین:

أ. یحفظها شفهیا و یجمعها فى ذاکرته. ب. بتکلیف من الرسول الکریم کان یدونها فى کتاب أو کتب لکى تبقى لکافة أهل البیت أى الائمة من بعده.

4. کذلک الامام على علیه السلام وضع علومه بکلتا الطریقتین تحت تصرف الامام الذى یلیه أى الامام الحسن، أى انه علم الامام الحسن شفویا احادیث الرسول الاکرم و ایضا وضع الکتب تحت تصرفه و اوصاه بان یضع هذه العلوم بنفس الطریقة تحت تصرف الامام الذى یلیه.

5. عندما قام رسول الله صلى الله علیه و آله بستجیل و تنفیذ هذا البرنامج کان هدفه أن یسجل و یحفظ العلوم و المعارف الصحیحة للاسلام فى مکان امین بعیدا عن تطاول الاحداث علیها.

6. و مع ابلاغ احادیث الثقلین و السفینة و المودة فى القربى و على مع القرآن و القرآن مع على و آیة التطهیر و احادیث اخرى اعدت الارضیة
لکى یقوم الرسول الکریم بتزکیة أهل البیت للناس بصفتهم مرجعا علمیا مهما موثوق بهم مئة بالمئة و قد اوصى علیه الصلاة و السلام فى مناسبات مختلفة و عبارات متنوعة الناس بأن یأخذوا العلوم و المعارف التى یحتاجونها عن هذا الطریق.

 

مع الاسف الشدید

لو أن المسلمین کانوا قد اعترفوا بالمرجعیة العلمیة للامام على(ع) و أهل البیت بعد وفاة النبى(ص) او على الاقل کانوا یرجعون لهذا العائلة للحصول على العلوم لاصبحت الحقائق و المعارف الصحیحة و الحیویة للاسلام بین ایدیهم و لبقوا مصانین ضد اختلاف و تشتت المذاهب و باستخدامهم لهذا العلوم لکانوا اضاءوا الدنیا و لجلبوا انتباه العالم نحوهم و لا صبح الوضع فى العالم غیر الذى نراه الان.

 

ابتعاد المسلمین عن علوم اهل البیت و عوامله

و لکن مع الاسف لم یحصل هذا و کذلک ابتعد المسلون عن مرجعیة أهل البیت تدریجیا و لم یستفیدوا جیدا من هذا المنبع الغنى و الموثوق به فى تعلمهم الاحکام و العلوم الدینیة و لاجل توفیر احتیاجاتهم العلمیة تشتتوا هنا و هناک و فى بعض الاحیان سقطوا فى حبائل خونة الدین و مزورى الاحادیث.

و هذه من اکثر الضربات المؤلمة التى اصیب بها الاسلام الفتى. و لکن هذه المؤامرة بالطبع لم تقع مرة واحدة بل حدثت تدریجیاً فى بدایة الاسلام و بعد وفاة الرسول الکریم کان المسلمون یرجعون الى الامام على علیه السلام لتوفیر احتیاجاتهم العلمیة و کانوا یستفیدون من أرائه فى الفتوى و القضاء و خاصة کان الخلیفة الثانى عمر بن الخطاب یرجع مرات متعددة الى الامام على(ع) فى حل المعضلات الدینیة و کان یستفید من آرائه بذلک و على سبیل المثال:

قال ابن عباس: اذا حدثنا ثقة عن على بفتیا لا نعدوها.[49]

عن أبى هریرة قال: قال عمر بن الخطاب: على اقضانا.[50]

سعید بن المسیب قال: کان عمر یتعوذ بالله من معضلة لیس فیها أبو الحسن.[51]

عن اذینة العبدى قال: اتیت عمر فسألته من أین اعتمر؟ فقال ائتى علیا فاسأله.[52]

و عن عائشة رضى الله عنها و قد سئلت عن المسح على الخفین فقالت: ائتى علیا فأسأله.[53]

عن أبى سعید ا لخدرى أنه سمع عمر یقول لعلى و قد سأله عن شى‏ء فأجابه: أعوذ بالله أن اعیش فى یوم لست فیه یا أبا الحسن.[54]

فى فترة خلافة الخلفاء الراشدین کان الاهتمام اکثر بالنسبة لمکانة المرجعیة العلمیة لعلى بن ابى طالب علیه السلام و کان صحابة رسول الله تعالى ابو بکر و ابن عباس و ابو سعید الخدرى و سلمان الفارسى و أبو ذر الغفارى فى اکثر الاحیان یستفیدون من آراء الامام على(ع) فى المسائل الفقهیة و الموضوعات القضائیة کانوا یدرکون مکانته العلمیة و لا یأبون الرجوع الیه فى هذا فى تلک الفترة التى لم تکن فیها الخلافة الاسلامیة قد
تبدلت الى حکومة ملکیة کان الاهتمام اکثر للاستفادة من الوحى و القوانین السماویة و فى تلک الفترة کان هناک عدد کبیر من صحابة رسول الله یعلمون المکانة العلمیة و الفضائل و المعارف الذاتیة لعلى بن ابى طالب و کانوا یتذکرون ما سمعوه من رسول الله مرات متعددة و هو یوصى أتباعه الاستفادة من علومه و بالتالى فان الجو السائد لم یکن یسمح بانکار الفضائل و المعارف الذاتیة و المکانة العلمیة لعلى بن ابى طالب مرة واحدة لم یکن یسمح باهمال کل توصیات رسول الله و اخراج الامام على من الواجهة السیاسیة و الاجتماعیة و المرجعیة و انزواؤه مرة واحدة و لهذه الاسباب کانت مرجعیته لحد ما تؤخذ بنظر الاعتبار على رغم ابعاده عن الواجهة السیاسیة و کان الصحابة یستفیدون من علومه بنحو ما.

بلغ المصاب الالیم فى ابتعاد المسلمین عن علوم أهل البیت ذروته فى الفترة التى تبدلت فیها الخلافة الاسلامیة الى الحکومة و الملکیة و جاء على رأس الحکومة الاسلامیة اشخاص لم یکن هدفهم الا الرئاسة و حفظ سلطتهم لهذا فان مسألة الوحى و مراعات القوانین و الاصول الاسلامیة و ضرورة الرجوع الى مصادر العلوم الاسلامیة و معرفتها لم تکن مهمة لمثل
هؤلاء

و من هذه المرحلة انزوى أهل البیت تدریجیا و ترکت مرجعیتهم العلمیة للنسیان من المحتمل أن تکون بدایة هذه المرحلة من الشام و امتدت تدریجیاً الى کافة البلاد.

و الان هذا السؤال یطرح نفسه و هو: ما هو سبب هذه القضیة؟

و لما ذا ابعد أهل البیت عن المرجعیة؟ لنفرض انه تم الاعتراض على خلافتهم و لکن لماذا أهملت و نسیت مرجعیتهم العلمیة؟ لماذا ابتعد المسلمون عن مرجعیتهم رغم التوصیات الکثیرة لرسول الله بخصوص أهل البیت؟

ان تفسیر و تحلیل هذا الموضوع و الاجابة الصحیحة علیه تحتاج الى دراسة تاریخیة دقیقة و موسعة مما لا یسمح به هذا المجال الضیق و لکن نستطیع أن نقول بصورة عامة مایلى:

ان السیاسات و الخطط الخیانیة لحکام بنى امیة و بنى العباس هى التى اوصدت الباب على أهل البیت و حرمت المسلمین من هذا المنبع الغنى لعلوم النبوة لان هؤلاء الحکام کانوا یعتبرون ظهور أهل البیت بصفتهم مرجعا
علمیا للمسلمین خطرا تهدد حکومتهم.

و ذلک اولا ان أهل البیت کانوا ینشرون السیرة و الاحکام الصحیحة للاسلام و ان نشر مثل هذه العلوم لم تکن بصالح الحکام مما کانت تهدد حریتهم فیما یعملون فى الوقت الذى کان هؤلاء الحکام یرغبون فى أن یحکموا بما یحلو لهم لا بموجب تعالیم و قوانین الاسلام و ثانیا اذا کانت المرجعیة العلمیة لاهل البیت باقیة و محفوظة فانه سوف تزداد شعبیتهم و قدرتهم بین الناس و هذا هو الشى‏ء الذى کان یرعب الحکام و یجعلهم یشعرون بالخطر على حکمهم لانهم کانوا یعتبرون أهل البیت منافسین لهم و کانوا یعتبرون شهرتهم و شعبیتهم العامة خطرا جدیا علیهم.

و لهذا الاسباب کانوا یسعون لابعاد أهل البیت عن المرجعیة العلمیة و الشعبیة و الدینیة و الاجتماعیة کما ابعدوهم عن الواجهة السیاسیة.

فى الحقیقة نستطیع القول بأن مرجعیة أهل البیت اصبحت ضحیة لامامتهم و زعامتهم.

ان خلفاء بنى امیة و بنى العباس لم یتورعوا عن القیام بأیة جریمة کانت لانجاح هذه المؤامرة الخطرة فقد سجنوا و عذبوا و قتلوا و عملوا المذابح
لاهل البیت و شیعتهم المقربین اتهموهم ومنعوا زیارتهم او نقل احادیثهم، ان هذا الضغط و الشدة کان یطبق بصورة کاملة فى زمن الامام الحسن و الامام الحسین و الامام السجاد و فى هذه الفترة حدثت الفجوة بین المسلمین و المرجعیة العلمیة لاهل البیت و استمرت بعد ذلک.

و لو أن مضایقة و حصار أهل البیت اصبحت اقل فى ایام الامام محمد الباقر علیه السلام و أصبح بامکان اتباعهم أن یستفیدوا من تراث و علوم النبوة بشکل ما و لکن مع الاسف فان مؤامرات و خطط الاعداء کانت قد فعلت فعلها و خلقت الفجوة بین عامة المسلمین و أهل البیت و لهذا السبب لم تعط الاهمیة لمرجعیة أهل البیت و ضرورة الاستفادة منها و لم یوجد الاشخاص الذین یشعرون بذلک بصورة جیدة و بالاضافة الى ذلک فان صحابة رسول الله المخلصین الذین کانوا یعرفون الفضائل و الخصال الذاتیة و المرجعیة العلمیة لاهل البیت و توصیات النبى صلى الله علیه و آله قد انقرضوا.

و بهذا فقد نفذ الحکام الغصبون خطتهم الخطرة و قد انزوى أهل البیت عن المرجعیة العلمیة و وقعت هذه الضربة الموجعة على الاسلام.

بالطبع کانت توجد اقلیة من المسلمین تحملت کافة المضایقات و الضغوط و ثبتت على موقفها من حبها للاهل البیت و اتباعها لهم و الاستفادة من مرجعیتهم العلمیة. بلى انهم الشیعة الامامیة فقط الذین استطاعوا فى ذلک الجو المرعب المخیف، أن یستفیدوا من المرجعیة العلمیة لاهل البیت على حد الامکان کما انه توجد فى کتب السنة احادیث عن أهل البیت و لکن لیست هذه کلها علوم أهل البیت و کما قلت من قبل انه کان قد حدث الاهتمام بمرجعیة أهل البیت بصورة عامة لتغیر وجه العالم الاسلامى او بالاحرى ذلک العالم و لاصبح غیر هذا العالم الذى نحن فیه. على أمل أن یرجع العالم الاسلامى فى نفسه و أن یرجع للطریق الذى حدده له رسول الله و یلتزم بالمرجعیة العلمیة و الفقیة لاهل البیت و یتخلص من التفرقه و الاختلاف.

ابراهیم الامینى            

الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ـ قم المقدسة

15 / ذى الحجة الحرام ـ 1434 ـ ه   ق  

[1]. النجم، 3 ـ 5.
[2]. صحیح مسلم ج4 ص1873.
[3]. المستدرک على الصحیحین، ج3، ص109.
[4]. انساب الاشراف ج2ص110.
[5]. اسد الغابة ج2، ص12.
[6]. مجمع الزوائد ج9، ص162.
[7]. تاریخ بغداد ج8 ص442.
[8]. مسند الامام احمد بن حنبل ج3، ص59.
[9]. ینابیع المودة ص41.
[10]. الصواعق المحرقة ص150.
[11]. غایة المرام ص211 الى 234.
[12]. الصواعق المحرقة ص151.
[13]. صحیح مسلم ج4، ص1874.
[14]. الصواعق المحرقة ص151.
[15]. المستدرک ج3ص146.
[16]. همان.
[17]. اسد الغابة ج2ص12.
[18]. المستدرک ج3، ص150.
[19]. صحیح مسلم ج4، ص1883
[20]. جامع احادیث الشیعة ج1 ص49.
[21]. فرائد السمطین ج2، ص133.
[22]. مجمع الزوائد، ج9، ص68.
[23]. المناقب للخوارزمى ص199.
[24]. همان.
[25]. همان
[26]. ینابیع المودة ص79.
[27]. نهج البلاغه، خطبه 187.
[28]. طبقات ابن سعد ج2 ص338. انساب الاشراف ج2، ص98.
[29]. الکافى ج1، ص64.
[30]. الطبقات ج2 ص348
[31]. ذخائر العقبى ص78.
[32]. ینابیع المودة ـ المناقب للخوارزمى ص40 ـ مستدرک الحاکم ج3 ص127 ـ اسد الغابة ج4 ص22.
[33]. ینابیع المودة ص82.
[34]. همان ص81.
[35]. فرائد السمطین.
[36]. فرائد السمطین ج1، ص94.
[37]. المستدرک ج3 ص122.
[38]. المناقب للخوارزمى 309.
[39]. همان ص40.
[40]. ینابیع المودة ص22.
[41]. مستدرک الوسائل، ج17، ص260.
[42]. جامع احادیث الشیعة ج1.
[43]. همان
[44]. همان ص9.
[45]. همان ص14.
[46]. همان
[47]. همان ص12.
[48]. همان ص13.
[49]. طبقات ج2، ص338.
[50]. همان ص349
[51]. همان.
[52]. ذخائر العقبى ص79.
[53]. همان.
[54]. همان ص82.